نصت (الفيدا) على أن الخيرين يذهبون إلى جوار الآلهة ويمتزجون بهم في عالم الخلود، وأن الشريرين يذهبون على بعض الأقوال إلى العدم المطلق، وعلى البعض الآخر يتجسدون من جديد. ولما أصبح القول بالرأي الأول يتنافى مع عقيدة خلود النفس التي كانت قد عمت جميع البيئات المفكرة على أثر إيمان الناس بأن العالم ليس ألا أجزاء (براجاباتي) المتناثرة، فلم يبق إلا الأخذ بالقول الثاني، فأخذوا به وتفلسفوا فيه، فنقلوه من تجسد ساذج إلى تناسخ فلسفي معقد، ولكنه كان تناسخا آريا، مبعثه السرور من الحياة والتفاؤل في تقدمها وسيرها نحو الكمال والرغبة في الامتزاج بالإله (براجاباتي) والاتصال ببقية الآلهة والشغف بتحقق السرور والمعرفة الكاملة التي لا تتحقق إلا بالتناسخ الذي هو شبيه بفعل الإله (براجاباتي) في تحقيق السرور والمعرفة، إذ قررت شروح أحد نصوص (الفيدا) وهو النص الخاص بنثر أجزاء (براجاباتي) في الكون، إن هذه الأجزاء لم تنتثر إلا بدافعين قويين كانا عند هذا الإله: أحدهما الشغف بحيازة السرور، والثاني الشوق إلى المعرفة. واذا، فيجب أن يكون هذان المقصدان ضمن غايات التناسخ ليتم تشبهنا بهذا الإله الخير الذي رضي بتفريق أجزائه، ليحوز السرور بوجودنا، ولتحدث له المعرفة الكاملة بطوفان أجزائه في الكون كله.
غير أن هذا التفاؤل لم يلبث أن تضاءل شيئا فشيئا حتى تلاشى نهائيا وحل محله تشاؤم قاتم قابض أثر في الحياة الفكرية الهندية تأثيرا عميقا. وقد نشأ هذا التشاؤم في أول أمره من اعتقاد المفكرين في أن الحياة خير كلها، وإنها لهذا يجب الحرص عليها والتهالك في الاستمساك بها، ولكن قصرها من ناحية وعدم التحقق من الاستيلاء على زمامها من ناحية