قال لي أمس صديقي حسني: أني لأعلم شغفك بالموسيقى، وحبك الفن القديم، فهل لك في سماع رجل هو أحد أعمدة هذا الفن في دمشق ومن أساطينه، وهو هامة اليوم أو غد، فإذا انهار أو شك ألا يقوم مثله أبداً؟
قلت: ما أحوجني إلى ذلك، فمن هو هذا الموسيقي الذي لا أعرفه إلى اليوم على ما ذكرت من إمامته وتقدمته، وعلى معرفتي بأرباب هذا الفن؟
قال: هو (ش) بك رجل تركي، كان من موسيقي القسطنطينية أيام السلطان عبد الحميد، وانتهت إليه رياسة (العود) فيها، وله اسطوانات هي عند الموسيقيين، كرسائل الجاحظ عند جماعة الأدباء، واسمع فعندي واحدة منها
وقام إلى (الحاكي) فأداره، ووضع اسطوانة عتيقة، فسمعت شيئاً ما حسبت مثله يكون، وبدا لي كل ما سمعت إلى اليوم من ضرب الموسيقيين كأنه إلى جانبه لعب أطفال. وخربشة مبتدئين
قلت: ويحك قم بنا إليه الآن
فقمنا وأخذنا منها شيخ الموشحات في دمشق الشيخ صبحي واثنين من محودي المغنين، وذهبنا إليه
ضربنا في الجبل حتى جاوزنا الدور الفخمة والقصور العامرة، ووصلنا إلى طائفة من المساكن هي أشبه بأكواخ، وقد بنيت من الطين وقامت دوين الصخر، فوقفنا عند واحد منها، وقرع الباب دليلنا حسني كنعان، ففتح لنا رجل طوال، عريض الألواح، حليق الوجه محمره، ولكن الكبر ظاهر عليه، قد جعد وجهه وإن لم يحن ظهره، ولم يهصر عوه، ورحب بنا على الطريقة التركية، يخفض يده، ويلوح بها على أسلوب معروف ثم يمس بها طرف ذقنه ويرفعها إلى جبهته، كأنه يقول: أني آخذ ذيل أحدكم فأقبله وأضعه على رأسي، وبالغ في الترحيب بنا ودعانا إلى الدخول فدخلنا، فإذا رحبته نظيفة ولكنها خالية من الأثاث، ما فيها إلا أشباه كراسي، وسدة من الخشب مفروشة ببساط هي السرير وهي