أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله، ولا أعلم كيف جاءته هذه الكنية، فإن مؤرخيه لا يعرفون أحداً من أجداده يسمى عساكر، ولكنه اشتهر بذلك في التاريخ.
ولد بدمشق في أوائل عصر الحروب الصليبية، أول المحرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة، (سبتمبر سنة ١١٠٥)، وتلقى ثقافته الأولى في الفقه والحديث بدمشق، فأخذ فيها عن جماعة، منهم والده، وأخوه ضياء الدين، ثم رحل إلى العراق سنة عشرين وخمسمائة، وأقام بها خمس سنين، يتلقى العلم بالمدرسة النظامية، فأكمل دراسته في الفقه، وعلق مسائل الخلاف، كما درس النحو والعربية هناك، ولم يكتف في الحديث بما وصل إليه بل رحل في طلبه إلى أمهات مدن العراق، وخراسان، والجزيرة، والشام، والحجاز، فمضى في رحلته إلى الشرق، حتى وصل إلى مرو الشهجان، كما سمع بالكوفة ومكة، والمدينة، وأكثر من الأخذ عن العلماء حتى صارت عدة شيوخه ألفاً وثلاثمائة شيخ، ومن النساء بضع وثمانون امرأة، وكان موضع إعجاب أساتذته وتقديرهم. قال أحد أساتذته عنه: ما كنا نسمي الشيخ أبا القاسم ببغداد إلا شعلة من نار من توقده، وذكائه، وحسن إدراكه، وقال عنه البغداديون: قدم علينا من دمشق ثلاثة ما رأينا مثلهم: الشيخ يوسف الدمشقي، والصائن أبو الحسن هبة الله بن الحسن، وأخوه أبو القاسم، وكذلك قدره الخراسانيون.
وعاد ابن عساكر إلى الشام، وقد أصبح من كبار فقهاء الشافعية متفرداً في الحديث وعلومه، متقناً لما حفظه من الأحاديث متناً وسنداً، متثبئاً فيما يحفظ، ومحتاطاً فيما يأخذ، وكان هو وابن الوزير قد سمعا كتباً كثيرة في الحديث. حكى ولده الحافظ أبو محمد القاسم، قال: (كان أبي قد سمع كتباً كثيرة، لم يحصل منها نسخاً اعتماداً منه على نسخ رفيقه الحافظ أبى علي بن الوزير، فسمعه ليلة من الليالي، وهو يتحدث مع صاحب له في ضوء القمر في الجامع، فقال: رحلت، وما كأني رحلت، وحصلت وما كأني حصلت، كنت أحسب أن رفيقي ابن الوزير يقدم بالكتب التي سمعتها، مثل صحيح البخاري ومسلم، وكتب البيهقي وعوالي الأجزاء، فاتفقت سكناه بمرو، وإقامته بها، وكنت أمل وصول رفيق آخر يقال له