للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفلسفة الشرقية]

بحوث تحليلية

بقلم الدكتور محمد غلاب

- ١ -

هل الفلسفة الإغريقية وليدة الفلسفة الشرقية؟

تمهيد

تشغل الباحثين منذ أقدم عصور التاريخ مشكلة لم يهتدوا إلى حلها حتى اليوم حلاً حاسماً يقف تيار الاعتراضات من الجهات المعارضة. وإن كانت بحوث المستشرقين والمستمصرين في العصر الحديث قد وصلت إلى ترجيح إحدى كفتي الميزان في هذه الفكرة العويصة التي يترتب عليها تغيير اتجاه الحكم على اليونان وعلى الشعوب الشرقية القديمة إلى ناحية غير التي كان يسير فيها قبل ظهور نتائج هذه البحوث. تلك المشكلة هي: هل الفلسفة اليونانية ابتدعت في يونان وليس لها أية صلة بالشعوب الشرقية؟ أو هي تراث نظمه الإغريق؟ وإذا كانت الأولى، فهل يرجع مبدؤها إلى القرن السادس فقط كما زعم (أرسطو) حين قرر أن (تاليس) هو أول الفلاسفة جميعاً؟ أو يمكن اصعاد الفلسفة إلى عصور غابرة إغريقية محضة؟ وإذا كانت الثانية، فما هو أول تلك الشعوب الشرقية الذي نشأت الفلسفة بين ربوعه؟

قرر أرسطو أن الفلسفة نشأت للمرة الأولى في تاريخ العقلية البشرية في تلك المستعمرة اليونانية التي تدعى (أيونيا) والتي سبق أن أسسها قوم من الإغريق القدماء الذين هاجروا في عصور ما قبل التاريخ إلى آسيا الصغرى وأسسوا بها تلك المدن التي لم يلبث الإغريق الأصليون أن احتلوها وبسطوا عليها سلطانهم السياسي والأدبي، فأفسحوا بذلك الطريق أمام العقل الإغريقي الجبار، وحلوا عقاله الذي كان قد أمسكه في آسيا عن الصولان في عصور ما قبل الاستعمار الجديد. وأول من بدأت العقلية الإغريقية القديمة تتمثل فيه هو: (تاليس المليتي) أول فيلسوف في الدنيا. وإذاً، فالفلسفة إغريقية الأصل والعنصر، وهي لا تصعد في رأي أرسطو إلى ما وراء القرن السادس قبل المسيح، ولكن (ديوجين لاإرس) المؤرخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>