للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب الإنجليزي الحديث]

د. هـ. لورنس

للأستاذ عبد الحميد حمدي

٣ - السبيل إلى فهم فلسفته

يعجز الكثيرون - ومن بينهم كبار النقاد ومشهورو الكتاب - عن فهم لورنس وفلسفته، وما ذلك إلا لأن سلاحهم هو العقل وحده، وعمادهم هو المنطق والقوانين المنطقية.

فأول ما يجب أن يراعيه دارس لورنس هو أن هذا الكاتب ليس مما يسهل فهمه بالعقل، وإنما إلى جانب ذلك يجب أن يستعين القارئ بخياله وتجاربه وشعوره الجسماني. فلورنس قبل أن يصل إلى آرائه وقبل أن يستخلص فلسفته لم يلجأ إلى العقل أو التفكير بل كان عماده الغرائز الطبيعية ووحيه الرغبات الجسمية. والحقيقة أن لورنس رجل نحسه في دمنا، وفلسفته تختلف عن فلسفة كل من سبقه من الكتاب والشعراء، فهي ليست بناء شامخاً من العقل والتفكير، وإنما هي تجربة أو سلسلة من التجارب أحسها صاحبها في دمه ثم نقلها إلينا في صورة كلمات. وواجبنا نحن عند دراستها أن نرد هذه الكلمات إلى أصلها فنحسها كتجربة تجري في دمنا، كما كان الحال مع صاحبها في أول الأمر، فنحن إذ نقرأ لورنس فإنما نصحبه في رحلة طويلة في عالم جديد علينا.

ولما كانت كتب لورنس هي عبارة عن قصة روح تجول في العالم الإنساني تبرز ما في المجتمع من عيوب، وتحذر الناس من تيار المدنية الحديثة الذي قد يجرفهم إلى هاوية لا يعرف لها قرار، فواجبنا عند دراسة لورنس أن ندرس تجاربه التي على ضوئها وصل هو إلى آرائه وأفكاره التي ضمنها كتبه. ويجب أن نذكر دواماً أن لورنس كان فناناً قبل أن يكون كاتباً، حتى نفهم أن تجاربه وحدها ما كانت لتكفيه، فعمد إلى توسيعها والتعمق فيها، بل والتفاني في وصفها أحياناً. ومن ثم كانت شخصيات رواياته حقيقية وغير حقيقية. فهي حقيقية لأنها منقولة من الحياة وأصلها في الحياة، وغير حقيقية لأنها تأتي من الأعمال ما قد يختلف عما تأتيه مثيلاتها في الحياة. وقد كانت هذه الظاهرة أو هذا التناقض سبباً في فشل كثير ممن حاولوا دراسة لورنس، لأنهم لم يحسبوا لهذه النقطة حساباً

<<  <  ج:
ص:  >  >>