ويختلف لورنس عن غيره من كتاب عصره في توجيه اهتمامه إلى اللاشعور أكثر منه إلى الشعور. ومن ثم كان الاختلاف البيَّن بين شخصيات رواياته وبين شخصيات الروايات الأخرى. فالأولى تعمل مدفوعة بقوانين أعمق من قوانين شخصيات الروايات الثانية، فهي أكثر حساسية وطواعية لقانون اللاشعور من الأخرى، وكان هذا الاختلاف مصدر صعوبة كبيرة في فهم ما يرمي إليه لورنس في بعض كتبه.
ولم يغب عن الكاتب مبلغ ما سوف يلاقيه قراؤه من العناء في فهم هذه الكتب فعمد إلى بسط آرائه وشرحها بطريقة مباشرة لا رموز فيها ولا أحاجي في بعض كتبه التي من أهمها كتاباه عن تحليل اللاشعور وكتابه الذي يحتوي على مقالات متنوعة؛ وأخيراً كتابه الذي طبع بعد وفاته واسمه (فينكس)
ومن أكبر الصعاب التي صادفت لورنس أنه قام يبشر بدين الجسم ويبث الدعاية له بين قوم عبدوا العقل ونصبوه إلهاً عليهم، وكان لزاماً عليه أن يأتي بالمعجزات قبل أن يستطيع تحويل الناس عما يعتقدون إلى ما يعتقده هو.
رأى لورنس هذه الصعوبة، ولكنه كان لا يعرف لليأس معنى، ولا كان الفشل يعرف له طريقاً رغم أنه كان يصدم المرة بعد المرة، وما ذلك إلا لأنه كان واثقاً من صدق رسالته، ومن الفوز في النهاية. لقد شعر في داخلية نفسه بالصراع العنيف بين الجسم والعقل، كل يريد أن يبسط سلطانه ويسيطر على الآخر. وهذا هو السبب في أن القارئ المدقق يجد دائماً في كل شخصية من شخصيات روايات لورنس تيارين من الحياة: تيار الحياة العادية وتيار الحياة الرمزية، بمعنى أن لورنس كان يرى في كل شخصية قوتين: قوة العقل التي تحاول أن تجعل كل شيء يبدو صحيحاً، حتى ولو عاد على صاحبها بالضر، والقوة الثانية هي قوة الجسم الغريزية، وهذه لا تخدع ولا تُخدع، فما يعود على صاحبها بالضرر تجنبته، وبالعكس تقبل على ما فيه مصلحة صاحبها لا يؤثر فيها مؤثر ولا يثنيها عن طريقها مغر من المغريات الصناعية. ولقد لاحظ لورنس على حياتنا الحديثة أننا بدأنا نضرب بقوة الجسم ورغباته عرض الحائط، وبذلك نمهد السبيل لسيادة العقل ويسطرته علينا. ومن ثم كان الصراع العنيف الذي يجري في داخل شخصيات لورنس التي ترمي إلى كسر قيود العقل والتحرر من ربقة استعباده، حتى توفق إلى الاستماع إلى رغبات الجسم ثم العمل