للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَبّاب بن الأرت

للأستاذ كامل محمود حبيب

(رحم الله خباباً، أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه أحوالاً، وإن الله لا ضيع أجر من أحسن عملاً)

(علي بن أبي طالب)

هذا هو (خباب بن الأرت) فتى لم يبلغ الثلاثين من سني حياته، أيدٌ جلد، وثيق الأركان متكتل العضل يغدو ويروح على حاجات مولاته (أم أنمار) وحديث قريش ما ينفك يضك مسمعيه، وهو عنه في شغل. . . ودوّى الحديث في أرجاء مكة يزلزل القلوب والأقدام وعلى كل لسان كلمة واحدة: محمد. . . محمد! وإن زعماء قريش وذوي الجاه فيها ليضطربون يوجسون خيفة مما جاء به محمد

وجلس خباب إلى نفسه يقلب الرأي، وقد فرغ من حاجات سيدته: محمد! أي بأس على الرجل، وهو الصادق الأمين؟ تالله ما علمنا عليه من سوء منذ كان. أفيفترون عليه الكذب بعد أن بدأ الشيب في صدغيه؟ ثم ما هذه الأصنام التي أراهم يعبدون؟ أفحقاً أن فيها آلهة؟ ليت شعري أي الحزبين أهدى سبيلا وأقرب رشدا؟

ثم. . . ثم غدا على مجلس رسول الله (ص) يريد أن يستطلع خبر الدين الجديد؛ وإن رجليه لتختلجان من الرعب، ولإن قلبه ليتفزّع من الذعر، خشية أن تراه أعين شياطين قريش فيبطشوا به، وهو هنا وحده لا تربطه بالقوم آصرة رحم ولا وشيجة قربى فيأمن كيدهم أو ينجو من مكرهم. . وفي مجلس النبي الكريم جلس خباب يسمع، وإن حلاوة الحديث لتبدد وساوس نفسه، وإن الإشراق الإلهي ليتدفق في قلبه فيجلو صدأه، ثم. . . ثم اطمأن قلبه للإيمان، فبدا رجلا غيره، يعلن عن إسلامه في غير رقبة ولا حذر

يا عجباً! أي سر خفي انصب في قلب الرجل فأصبح لا يفزع من شر قريش جميعاً، وهو كان يفرق من أن تراه عين وهو يدلف إلى مجلس رسول الله (ص)؟ لا ريب فهذا هو الإيمان الحق حين يتغلغل في النفس، فينتزع الإنسان من معانيه الأرضية ليكون في معانيه السماوية فحسب

ورضي رسول الله (ص) عن خباب فكان يحبوه بعطفه، ويخصه بعنايته، ويألفه ويأتيه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>