وتناهى الخبر إلى سيدته (أم أنمار) فحاولت عبثا أن تقف بينه وبين سيده. ولما أعجزها أن تنال بغيتها راحت تذيقه العذاب البئيس في غير شفقة ولا رحمة. ثم. . . ثم انفلت إلى رسول الله (ص) يكشف له عن أثر ميسم أم أنمار في رأسه، وعيناه تتحلبان من فرط الأسى، فدعا له النبي: اللهم انصر خباباً. فما تلبث غير قليل حتى أخذت أم أنمار العلة، فهي تعوي عواء الكلب، وخباب يكوي رأسها بميسم يتوهج، علها تبرأ من علتها أو تذوق وبال أمرها
وكبر على قريش أن يقوم رجل منهم يثاب آلهتهم ويسفه أحلامهم ويعيب دينهم، فشرى الأمر بينهم وبين النبي الكريم، فتذامروا يتواثبون على المسلمين يعذبونهم فنونا من العذاب، وإن الشيطان ليوسوس لهم يريد أن يدفعهم إلى غاية، وهم يرتدغون في الضلالة، ويتخبطون في الظلمات، وقد طم العمى على قلوبهم، وبين أيديهم جماعة من ضعفاء المسلمين: خباب وصهيب وبلال وعمار وسمية و. . . يلبسونهم أدراع الحديد، ثم يلقون بهم بين لفحات الحر ووقدات القيظ، وهم صبر على حر الحديد وأوار الشمس، وخباب من بينهم تسخر شجاعته من غيظ الكافرين.
يا لله! إن في الإنسان نوازع إذا سيطرت عليه استحال إلى حيوان لا يجد في نفسه معنى من معاني الإنسانية، وهكذا كانت قريش حين أخذتهم ثورة الغضب والغيظ ورانت عليهم سورةالسلطان والجاه، فذهبوا يفتنون في أذى المستضعفين من المسلمين. . .
أي شيء جنى خباب فيلصقوا ظهره بالرضف في قسوة وغلظة ثم ما يزالون به حتى يذهب لحم متنه؟
أي ذنب ارتكب خباب فيأخذوه إلى نار تتسعر يسلقونه فيها، ثم ما يبرح الواحد منهم يضع رجله على صدره، فما يتقي الأرض إلا بظهره؟
واستشعر خباب العذاب يأكل لحمه ويفري جلده، وما له مفزع سوى رسول الله (ص) فانطلق إليه يستنصره على ما يلقى من فظاظة قريش وجفوتهم. . . فقال له رسول الله (ص) وإن أثر الغضب ليبدو في وجهه: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بالميشار فيجعل فوق رأسه ما يصرفه عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ما يصرفه عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير