تمنيت لو لم يكن هذا الكتاب لصديق، إذن لاستطعت أن أوفيه ما هو كفاء له من ثناء في غير حرج، ولكن فيم الحرج، وأنا أنظر إليه بعين النقد وبعين الحب معاً فأتحدث حديث الخبير الواثق؟
لم يعد زكي نجيب في حاجة إلى أن يقدم إلى القراء فقد صارت له في نفوسهم مكانة حميدة بمؤلفاته المجيدة في الفلسفة والأدب، وإنما أقدم كتابه هذا إلى القارئ مغتبطاً أشد الاغتباط، فإن له لشأناً عما قريب في أدبنا واتجاهه وفي جانب المقالة منه بوجه خاص. . .
رأى الدكتور زكي أن المقالة الأدبية في مصر تسير على غير نهج معلوم، فهي تصلح أن تكون خطبة أو موعظة أو جدلاً أو بحثاً علمياً أو تاريخياً أو ما شئت غيرها، ولكنها ليست بسبب من المقالة التي اصطلح عليها نقدة الأدب الإنكليزي في قليل أو كثير، وهو لم يكتب كتابه هذا ليصحح به هذا الوضع، ولكنه كتب مقالاته على غرار ما فهم بعد درس، وأشهد لقد بلغ فيها جميعاً من التجويد مالا ينزل به قط عن مستوى فحول المقالة في الأدب الإنكليزي، ولقد جاء بعضها في نسق لا أتردد أن أقول إني قلما وقعت على نظائره، خذ لذلك مثلاً البرتقالة الرخيصة، والكبش الجريح، وحكمة البوم، وجنة العبيط، وشعر مصبوغ، وبيضة الفيل.
واجتمعت له طائفة من هذه المقالات فأشرت عليه وألحفت أن يطبعها وهو يتردد ويتعلل، ولكني ما زلت به حتى أجابني إلى ما أردت. . . اختار المؤلف اسم أحد مقالاته عنواناً لكتابه فكان جد موفق وهذا الاسم هو جنة العبيط (أما العبيط فهو أنا، وأما جنتي فهي أحلام نسجتها على مر الأعوام عريشة ظليلة، تهب فيها النسائم عليلة بليلة، فإذا ما خطوت عنها خطوة إلى يمين أو شمال أو أمام أو وراء، ولفحتني الشمس بوقدتها الكاوية عدت إلى جنتي أنعم فيها بعزلتي، كأنما أنان الصقر الهرم، تغفو عيناه، فيتوهم أن بغاث الطير تخشاه، ويفتح عينيه فإذا بغاث الطير تفرى جناحيه، ويعود فيغفو، لينعم في غفوته بحلاوة غفلته)،