للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جناية أحمد أمين على الأدب العربي]

للدكتور زكي مبارك

- ٧ -

يشهد الأستاذ أحمد أمين على نفسه فيقول:

(أين الشعر العراقي الذي تجد فيه الشعراء يتغنون بمناظر العراق الطبيعية، ويصفون فيه أحداثهم الاجتماعية؟ وأين الشعر الشامي أو المصري أو الأندلسي الذي يشيد بذكر مناظر الطبيعة وأحوال الاجتماع للشام ومصر والأندلس؟ إنك تقرأ الشعر العربي فلا تعرف إن كان هذا الشعر لمصري أو عراقي أو شامي إلا من ترجمة حياة الشاعر. أما القالب كله فشيء واحد، والموضوع كله واحد: مديح أو رثاء أو هجاء أو نحو ذلك ما قاله الجاهليون).

ذلك كلام أحمد أمين، نقلناه بالحرف حتى لا نُتهم بالتزيد عليه فهل رأيتم أغرب من هذا الكلام؟ يعتقد أحمد أمين أن شعراء العراق لم يصفوا مناظر بلادهم الطبيعية ولم يصفوا أحداثهم الاجتماعية.

ولو أنه كان اطلع على الشعر العراقي في عهوده الماضية، وهي التي تعنيه، لعرف أن شعراء العراق لم يفرطوا في الحديث عن أنهارهم وبساتينهم، ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة من شؤون المجتمع إلا أفردوها بحديث خاص، وأخبار الفتن والثورات تشهد بذلك.

لو كان أحمد أمين اطلع على الشعر العراقي لعرف أن العراقيين فُتنوا بمناظر بلادهم أشد الفتون. وهل يعرف قراء العربية نهراً أسير ذكراً من الفرات؟

ألا يكفي أن يكون الشاعر الذي قال:

يا ليت ماء الفرات يخبرنا ... أين استقلت بأهلها السفنُ

وقد فُتن العراقيون بطبيعة العراق فوصفوا الحمائم السواجع وتفننوا في وصف الليل، وأجادوا في وصف الأزهار والرياحين، وأسهبوا في وصف الملاحة والصباحة والجمال، وكادوا يتفردون بالتفوق في وصف مجالس الأنس والشراب.

وكلِف شعراء العراق بوصفهم بواديهم وحواضرهم، ولهم أوصاف كثيرة في الديارات وحيوات الرهبان، وهل أقيم في أديم العراق دير غفل عن وصفه الشعراء؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>