للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لو كان أحمد أمين من المطلعين لعرف أن العراقيين أحبوا الطبيعة أصدق الحب، فهم الذين أذاعوا في الناس معاني الشغف بالوجود، وهم أصدق من وصف الجآذر والظباء، وكانوا ولا يزالون أقدر الناس على تذوق ما في الحياة من بؤس ونعيم

هل نسي أحمد أمين أن طبيعة العراق هي التي أنطقت من يقول:

عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

إن العراق الشاعر لا ينتظر حكم أحمد أمين، فقد رقم أمجاده الشعرية فوق جبين الزمان. وهنا أستشهد بقول الشاعر علي الجارم في خطاب دجلة:

نبت القريض على ضفا ... فِك بين أفنان الورودِ

وهي كلمة صدق في شاعرية العراق.

لقد وصف العراقيون كل شيء من مظاهر الطبيعة في العراق حتى الحيات والثعابين والعقارب والزنابير والبراغيث!

وأحمد أمين هو المسؤول عن إيراد الشواهد لأنه من أساتذة الأدب بالجامعة المصرية.

ويقول هذا الرجل إن العراقيين لم يصفوا أحداثهم الاجتماعية

وأقول إن شعراء العراق يمتازون بالجرأة في وصف أحداث المجتمع، وفي العراق مات مئات من الشعراء مسمومين أو مقتولين بسبب الجهر بكلمة الحق في وصف الأحداث الاجتماعية، وما قامت في العراق دولة أو سقطت دولة بدون أن تظفر بقصيدة أو قصائد من أولئك الشعراء الذين كانت أشعارهم موازين في الحياة السياسية.

وهنا أذكر مسألة سيحتاج إليها أحمد أمين حين يؤرخ الحياة الأدبية في العراق لعهد بني العباس

يجب أن يكون مفهوماً عند كل أديب أن الدواوين التي تحفظ أشعار أهل العراق لا تمثل الحياة الشعرية لأهل العراق تمثيلاً صحيحاً، فالذي بقي من أشعار أهل العراق هو الجزء الذي سمحت له السلطات السياسية أن يعيش. وأكاد أجزم بعد أن خبرت حياة العراق أن الثروة الشعرية هناك ضاعت منها أشياء كثيرة جداً بسبب الخوف من المسيطرين على الحياة السياسية والاجتماعية.

وقد اهتديت إلى ذلك، وأنا أدرس العصر الذي عاش فيه الشريف الرضي: فقد تبينتُ أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>