يطيب للنفس في بعض الأحايين أن تنضو ما عليها من أردية مستعارة لتنعم بساعة من وجودها النقي الأول، كما يحلو للذهن أن ينحى عنه شواغله وينفلت من قيوده ليغتبط ببرهة من هدوء تعود به إلى عهد البراءة الخالصة يوم كان خلياً من متاعب الحياة.
ألم نلتفت مرة إلى أنفسنا وقد لقيناها تعود من سبحات لا هي يقظات واعية ولا هي هجعات غافية نجد في غضونها الراحة والهناءة؟
ألم نر رجلاً من ذوي العقول الراجحة والاتزان الصحيح يطمئن إلى صحبة من هو دونه بمراحل استجماماً لذهنه وترفيهاً عن نفسه؟
أليس الأدب الشعبي عوداً على بدء الفطرة للتعبير عن المشاعر والغرائز بلغة البداهة الساذجة؟
لعلي بهذه المقدمة أستطيع أن أغري القارئ بعودة ذهنية إلى خميلة من خمائل الطبيعة الفطرية نكشف بها عن ناحية من جمال أدب شعبي لشاعر لبناني من زحلة يدعى أميل مبارك قصر أغانيه على الضيعة.
للضيعة اللبنانية طابع خاص يختلف عن طوابع القرى في أغلب الأقطار والأمصار، كما أن للريف اللبناني ميزة تميزه من بقية الأرياف، فلا غرو إذا خصه شاعر بأغانيه ووقف على وصفه ديوانه (أغاني الضيعة).
يمتاز الأدب الشعبي اللبناني بخلال طبيعية ومزايا اجتماعية، وأوصاف محلية قل أن تتوافر لأدب شرقي سواه.
يمتاز بالحنين وإثارة الوجدان، لأن أكثر من نصف أهالي لبنان يعيشون في مهاجرهم النائية عن الوطن، ولأن هاتيك المهاجر لم تقو ولن تقوى على أقلمة اللبنانيين ومزجهم بها في الروح والشعور والخلق.
ويمتاز أيضاً بالبقاء لسهولة حفظه وعذوبته في الإنشاد الجماعي، واشتراك المرأة في تذوقه، ولجمعه بين الوجدان والعاطفة ولطابعه الدال على كيانه اللبناني الفريد، وعلى