للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

أسطورة من روائع الأدب الروسي:

بشر وشياطين

(قصة الخمر والدنان وغلبة الشيطان على الإنسان)

للكاتب الفيلسوف ليو تولستوي

بقلم الأستاذ مصطفى جميل مرسي

ما كاد الصبح يتنفس، وتخفق جنبات الكون بالحياة. . حتى هرع الفلاح الفقير يغذ الخطى إلى حقله. . . وقد بكر في غداته يروم الحرث والفلح. . . ويحمل معه كسرات يابسة من الخبز ليفطر ثمة بها. . .

فلما هيأ محراثه وربط إليه حصانه. . . علق ثوبه - وقد أودعه كسرات الخبز - إلى شجيرة دانية. . . وانطلق يشق أديم الأرض ويقلب الترب. . . حتى إذا ما تصرمت ساعات الصبح، وتراءت الضحى وأدركه العناء، وتبدى الإعياء والسغب على حصانه. . . أطلقه في سبيل الكلأ. . . وانثنى هو إلى شجيرة يبتغي الكسرات يسد بها جوعه الذي يبرح به. . .

فما إن بسط ثوبه حتى تولاه العجب.! إذ ألفى الخبز قد اختفى منه. . . فقلب الثوب بين يديه وراح يهزه، ولكن عبثاً!. فليس للخبز من أثر. فقال - يحدث نفسه وما زال الشك يتوزعها - (عجباً!!. . إن هذا غاية في الغرابة، إني لم ألمح أي إنسان هذه الصبيحة!. لعل أحدهم كان هنا، وأخذ معه الخبز.!).

أجل لقد أخذه واحداً من الشياطين الصغار، بينما كان الفلاح مستغرقاً في عمله. . . وكان في ذلك الحين قاعداً خلف الشجيرة يترقب ما سوف يتفوه به الفلاح من لعن وسباب. . .

فاض قلب الفلاح بالأسف وألم به الضيق لضياع الخبز الذي أعده لفطوره، بيد أنه ما لبث أن ارتفع صوته في هدوء: (ليست ثمة حيلة. . . وعلى كل حال فلن أقضي من الجوع!. وإني أحسب أن من استولى على الخبز أشد مني حاجة إليه. . . فهنيئاً لمن أخذه!.).

<<  <  ج:
ص:  >  >>