ومضى إلى جدول. . فرشف منه بعضاً من الماء ينقع به غلته. . ومال يستريح من عناء العمل ومن قرصة الجوع. . . وبعد حين أسرج جواده وقيده إلى المحراث وعاد يقلب به صفحة الترب من جديد. . .
فطأطأ الشيطان الصغير برأسه. . . وقد ركبه الخجل والألم لإخفاقه في حمل الفلاح على أن يزل لسانه ويشرع في سبيل الخطيئة. . . وانثنى إلى أستاذه الأكبر (إبليس) يروي له ما حدث! وكيف أنه أخفى عن الفلاح الفقير البائس كسرات الخبز فلم يحمله هذا على أن يتلفظ بكلمات السوء. . . بل قال وهو قرير النفس (هنيئاً لمن أخذها.!).
فصاح فيه (إبليس). . . وقد تملكه الغضب وزاد تلهب عينيه وكأنهما جمرتان وسرى الحنق والسخط إلى نفسه:(إنه خطؤك أنت. . . فلست تفقه ما ينبغي عليك أن تعمله. . . فبهذه الطريقة سوف يعيش الفلاحون وأزواجهم وذريتهم سعداء في راحة وهناء. . . يجب عليك أن تبث الضغينة وتنفث فيهم البغضاء وتفسد قلوبهم وتثير الحقد في نفوسهم. . . فهذه رسالتنا منذ أن خلق البشر. . . انطلق ثانية. . . وإني لأمهلك ثلاث سنوات لتصلح ما أتيته من خطأ. . . فإذا عدت بعدها ولم تفلح في أن تدع الشر ينساب في قلب ذلك الفلاح، فسوف أغرقك في الماء المقدس).
فارتعدت فرائص الشيطان الصغير من الفرق والهلع، وهو يرى أستاذه الأكبر يتوعده بالثبور والعذاب الأليم. . . فغاص في باطن الأرض، وهو يجهد ذهنه ويعصره بحثاً عن حيلة توغر قلب الفلاح، وتدفع عنه غضب إبليس. . . وما أرهبه من غضب!. فراح يفكر ويطيل التفكير حتى عثر على خطة بارعة.
فانقلب في شكل واحد من بني آدم. . . وتمثل بشراً سوياً. . . وذهب إلى الفلاح حيث سأله عملاً بأجر رخيص. . . فلم يجد هذا بأساً في أن يلحقه بخدمته ليكون له عوناً في زراعته.!
وفي السنة الأولى أشار على الفلاح بأن يزرع قمحاً في أرض غدقة جرداء ذات جدب ومحل. . . فعمل الفلاح بمشورته، وبذر قمحه في تلك الأرض السبخة. . . فلما انقضى الحول - وكان ذا صيف صيهد شديد الحر - لفحت الشمس غلال الفلاحين الآخرين فأحرقتها. . . دون قمح ذلك الفلاح فقد نما كثيفاً، وغلظت سنابله ودحس حبه. . . ففاض