عن حاجته بعد أن أترعت خزائنه وامتلأت. . . فألقاها جانباً. . .
فلما حان موعد الزرع من جديد أخذ الشيطان يزين له أن يبذر القمح هذه المرة في سفح الجبل. . . فرضخ الفلاح لمشيئته. . . بيد أن الصيف في هذه السنة كان طلقاً ذا ريح سجسج. . . فتلفت غلال الآخرين وعفنت ولم تجدل لها سنابل. . . أما الفلاح فقد تأتى له حصادٌ طيب أبلغ في الوفرة من سابقه. . . فحار الفلاح فيما يفعله بكل تلك الزيادة. . .
وحينئذ أوحى إليه الشيطان كيف يستخلص الخمر من الحنطة فينقعها حيناً ثم يقطرها حتى يبلغ منها الراح فيعتقه ثم يشربه. . .
فراح الفلاح يقطر الخمر. . . ويودعها في دنان. . . ثم يدعو رفاقه لينهلوا منها معه حتى ينهلهم الثمل والسكر.!
عاد الشيطان الصغير إلى أستاذه (إبليس) يحدثه بما فعل في زهو وخيلاء. . . فأخبره أستاذه الأكبر بأنه سوف يرافقه، فيرى بعينه ما وفق إليه تلميذه ورسوله. . .
فلما بلغ دار الفلاح ألفى هذا قد جمع حشداً من صحابه وجيرته يدعوهم إلى الشراب وكانت زوجته تدور عليهم بالقداح، فينهلون منها ويعلون، وبينما هي تمد يدها ببعض الشراب إلى واحد منهم. . . تعثرت قدمها فهوت على الأرض وتحطمت إحدى الدنان. . .
فاحتدم غيظ الفلاح، واستشاط غضباً على زوجته. . . وانطلق يعنفها ويلعنها:(ما هذا أيتها الكسيحة الحمقاء؟! هل عميت حتى تهرقي هذه الخمر النفيسة على الأرض؟! اغربي عن وجهي. لعنة الله عليك!.).
فلكز الشيطان الصغير أستاذه (إبليس) في جنبه بمرفقه وهو يقول في صوت رن فيه جرس الانتصار والزهو: (انظر. . . هذا هو الرجل الذي لم أتمكن من إثارة غضبه حينما كان الجوع يصرخ في أمعائه. . . وقد ضاعت منه كسرات الخبز!.)
وقام الفلاح يناول الخمر أضيافه. . . وما زال لسانه يجري باللعن والسب على زوجته. . . وحينئذ دلف إلى الدار أحد الفلاحين، وهو عائد لتوه من حقله. فرأى القوم ينهلون الخمر. . . فحدثته نفسه بأنه واجد عندهم بعض الشراب يبعث الراحة في نفسه، وقد أنهكه التعب وأضناه العمل. . . فجلس إلى أحد المقاعد وراح يتلمظ القطرة من الشراب. ولكن صاحبنا الفلاح - بدلاً من ان يجود عليه ببعض الخمر - قال له في صوت أجش شاعت فيه