جرت وزارة المعارف منذ أعوام على الاستفادة من إجازة نصف السنة بجعلها مؤتمرات للمفتشين يتبادلون فيها الآراء حول مناهج التعليم وأحوال التلاميذ
وحديث اليوم عن الأسئلة التي وجهتها المراقبة العامة للتعليم الثانوي إلى مفتشي التعليم الثانوي، وهي أسئلة دار حولها الجدال يومين، وقيلت فيها أقوال تستحق التسجيل، وقد استشرت زملائي في إعلان بعض تلك الأقوال، فأجابوا بالترحيب
ظاهرة إنسانية
لا أعرف كيف دارت المناقشات بين مفتشي الرياضة والعلوم والمواد الاجتماعية، ولكني أعرف كيف دارت المناقشات بين مفتشي اللغة العربية
كان الشوق إلى الكلام شديداً جداً، وكان كل مفتش يجب أن يتكلم بإطناب، وكأنه يريد أن يكون المتكلم الوحيد!
كان في المفتشين من يقف ليخطب، مع أن الجمهور الذي تألف منا لم يزد عن أحد عشر كوكباً!
ومع أن شهوتي إلى الكلام قليلة لكثرة ما أعبر بالقلم عما يجول في صدري، فقد زاحمت بعنف لأتكلم أنا أيضاً، وقد تكلمت حتى اشتفيت!
فما سر الشوق إلى الكلام حين يتلاقى الناس؟
يرجع ذلك فيما أفترض إلى أن طرائق التفاهم عند الإنسان قد انحصرت في طريق واحد: هو النطق، وبذلك عطلت طرائق التفاهم بالرمز والإشارة والإيماء
والظاهر أن انحصار التفاهم في النطق فضيلة إنسانية، فضيلة دعا إليها اشتباك الأغراض بصورة لا ينفع فيها غير التحديد بالألفاظ
والظاهر أيضاً أن اختراع الكتابة من أعظم المخترعات الإنسانية، لأنه يرمي إلى تسجيل الألفاظ قبل أن تضيع، وإلى تقييد ما فيها من مسئوليات