للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

المهرج

للكاتب الروسي ماكسيم جوركي

كانت النافذة المستديرة المرتفعة لزنزانتي تطل على فناء السجن. فإذا ما نظرت منها بعد أن أعتلي منضدة بجوار الحائط، أشاهد كل ما يحدث في هذا الفناء، وأراقب الحمام يبني عشه على الحافة العليا من النافذة، وأسمع هديله يتعالى فوق رأسي. وكان لدي من فسيح الوقت ما يسمح لي بالتعرف على نزلاء السجن كلما أطللت عليهم. وهكذا عرفت بوتش أكثر السجناء مرحا. كان رجلا وسطا، ضخم الجثة، أحمر الوجه، عريض الجبهة، براق العينين، يرتدي قلنسوة على مؤخرة رأسه، وقد التصقت أذناه على جانبي وجهه في شكل يلفت الأنظار. وكانت كل حركة من حركات جسمه تبين في جلاء أنه يمتلك روحا لا تبالي بالكآبة والحزن. لقد كان دائم المرح، كثير الضحك، محبوبا لدى رفاقه، يحوطونه فيمازحهم بمختلف الدعابات، ويضفي على أيامهم الباهتة، جوا من البهجة والسرور.

وفي ذات يوم خرج نوتش من زنزانته وقت النزهة وقد قيد ثلاثة جرذان بخيط، وجعل يعدو وراءها في الفناء وكأنه يقود مركبة. فاندفعت الجرذان وقد أرعبها صياحه، اندفعت منطلقة في ذعر وجنون. وضج السجناء بالضحك يشاهدون ذلك الرجل البدين وهو يقود (مركبته).

كان نوتش يعتقد أنه ما خلق إلا ليجذب إليه الأنظار. وكان لا يعوقه عائق في سبيل ذلك. لقد استطاع ذات مرة أن يلصق شعر أحد السجناء بالغراء بحائط الفناء. كان السجين صبيا مستلقيا على الأرض بجوار الحائط وقد أخذته سنة من الكرى. وعندما جف الغراء، أيقظه نوتش فجأة، فهب الصبي من نومه مذعورا وقام على قدميه، ثم أمسك رأسه بيديه المتخاذلتين، وأخيرا سقط على الأرض يبكي. وقهقه السجناء من ذلك المنظر وابتسم نوتش في رضاء. ولكني شاهدته بعد أن ابتعد رفاقه يرفه عن الصبي ويطيب خاطره.

وكان هناك هر سمين نحاسي اللون، محبوب لذى السجناء، ومدلل منهم. ينتهزون وقت نزهتهماليومية فيداعبونه فترة طويلة، ويمر الهر من يد إلى أخرى، ثم يعدون وراءه، ويدعونه يخدش أيديهم وأرجلهم وهو يلاعبهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>