وكان الهر محط أنظارهم عندما يبدو في الفناء، فيوجهون إليه اهتمامهم وينسون نوتش ومهازله. وكان نوتش إذا رأى ما رأى ذلك يجلس في ركن من الفناء يراقبهم وهم في غفلة عنه. وكنت أشاهده من نافذتي وأشعر بما يختلج في صدره من شعور وأحاسيس، فأعتقد أنه سيضطر أن عاجلا أو آجلا إلى قتل ذلك الحيوان عند أول فرصة سانحة تسنح له ولذلك كنت آسفا عليه. أن رغبة افنسان في أن يكون محط الأنظار غالبا ما تصبح وبالا عليه. فإنه لا يوجد ما يقتل الروح كتلك الرغبة في إدخال السرور على النفوس.
إن أتفه الحوادث عندما يكون المرء وحيدا، منفردا، حبيسا في سجن، لتسترعي انتباهه، فيوليها اهتمامه. لذلك كان من السهل أن تفهم سبب اهتمامي بما أتتبعه من حوادث من وراء نافذتي، وتلهفي إلى معرفة نتائجها.
وفي ذات يوم صفت سماؤه، اندفع السجناء إلى الفناء. فلاحظ نوتش دلوا به طلاء أخضر، كان قد تركه من يقومون بطلاء سقف السجن. فتوجه إليه، وحام حوله، ثم غمس إصبعه فيه، ثم صبغ شاربه بالطلاء. فأثار منظره ضحك السجناء. وعمد صبي من الزمرة إلى تقليده، فجعل يدهن شفته العليا. وإذا نوتش يغمس يده كلها بالطلاء ويصبغ وجه الصبي، ثم جعل يرقص حوله. وضج السجناء بالضحك وهم يشجعون نوتش في صيحات تدل على رضائهم عما يفعله.
وفي ذات اللحظة أقبل الهر يتهادى في الفناء وقد رفع ذيله غير هياب ولا وجل، وسار بين أقدام الحشد المتزاحم حول نوتش والصبي الذي كان يحاول أن يزيل ما علق على وجهه من طلاء.
فصاح أحدهم - أيها الرفاق، أن ميشكا هنا!
وصاح آخر - آه أيها الأفاق الصغير!
ثم أمسكوا به، ومر في أيديهم الواحد تلو الآخر وهم يربتون على ظهره. .