[أبو خليل القباني باعث نهضتنا الفنية وأثر رحلته إلى]
[الديار المصرية]
للأستاذ حسني كنعان
- ٥ -
كان هبوط القباني مصر في عهد ساكني الجنان المغفور لهم:(الخديوي إسماعيل والخديوي (توفيق) والخديوي (عباس)) وكان هؤلاء يعطفون عليه عطف بعض ولاة الشام ويشجعونه حتى بلغ من شدة عطف الخديوي توفيق عليه أنه طيب الله ثراه ونفر ضريحه كان له في مسرحه حجرة خاصة يؤمها كلما لفست نفسه وتاقت لمشاهدة فن هذا النابغ السوري العظيم.
ومما حببه إليه أن مدة إقامته الطويلة في مصر صادفت هذا العهد التوفيقي الذي كتب له فيه النجاح والفلاح.
ولقد اشتهر نابغتنا في هذا العهد وفي هذه البلاد التي تعرف قيمة الفن وأربابه نال شهرة فائقة لا تقاس بها شهرته في وطنه حتى غدا مسرحه في برهة وجيزة كعبة القصاد وقبلة أنظار عشاقه. وكانت شهرته في سورية مقتصرة على هذا المحيط الضيق، أما هنا فلقد طارت شهرته في كافة أقطار العالم وأصبح بهذا مفناً عالمياً عرف له أهل الخبرة من الفنيين المتكسبين من هذه الصناعة والمتلذذين قدره ولزموا مجالسه - وأقبلوا على مسرحه إقبالاً رائعاً إن دل على شيء فإنما يدل على مقدار عظمة مصر وتقديرها للنابغين، فأخذ عنه الكثيرون منهم وتتلمذوا عليه - وناصروه وآزروه فانتعشت بذلك آماله وتجددت همته فأرى أبناء الوادي من عظيم فنه وخوارق مواهبه ما صيره موضع الإكرام والإجلال بينهم، فنسى بهذا أيامه السود التي مرت عليه في الشام مجفواً من السلطان ومنبوذاً من الأهل والخلان). وكان (عبده الحمولي) المغني المعروف والمطربة المبدعة (ألماظ) لا يتورعان عن حضور حفلاته ولا يبخلان على الجماهير بعرض بعض أدوارهما وقطعاتهما الموسيقية والغنائية في فترات فصول رواياته، ولهذا كان مسرحه يحوي العبرة والعظة في التمثيل والفن والطرب والإبداع في التغني والإنشاد. . .) وهنا أراني ملزماً بإثبات بعض