أحس بالدفء إلا إلى جانبها، فأراد أن يبلغ غايته من بين خفقات قلبي، فقال:(لقد شغلت - منذ حين - عني وأنا أطمع أن أظفر ببعض وقتك لأصحبك في نزهة جميلة) قلت في جفوة (أي نزهة تريد؟) قال (نقضي معاً سهرة الليلة في كازينو كذا) قلت (ولكنني أمقت السهر لأنه عناء ينفث العلة في الجسم ويبذر الضعف في الشباب وبلد الخبل في العقل) قال (إنك ولا ريب تحتال لتضنَّ عليّ ببعض فراغك، وأنا معك من تعلم) ثم نظر إلى نظرة فيها الرجاء والاستعطاف رق لها قلبي فما استطعت أن أرفض طلبته.
وهناك في الكازينو شملني جو المرح وسيطرت علي روح البهجة فرحت أنا وصاحبي نبعث في هدوء ونسخر في أدب ونضحك في رقة. وعلى حين فجأة قال لي صاحبي وهو يشير إلى المسرح (انظر، ما أجمل هذه الراقصة!) ونظرت. . . نظرت فإذا الراقصة هي فتاتي. . . هي ربة الشاطئ.
وأصابتني الدهشة والذهول لما رأيت. إنها راقصة من بنات الهوى تنفث السم في قلوب الناس لتسرق الرجل من رجولته وماله وتستلب الزوج من زوجته وأولاده. إنها عون الشيطان يريد أن يهدم الدار ويشتت شمل الأسرة.
وهدني الحزن لما رأيتها - بعد حين - تتنقل بين موائد الشباب والشيوخ على السواء كذبابة خمصانة بها نهم فهي تسقط فلا تسقط إلا على القذر والنتن. وأوشك الأسى أن يعصف بي لولا صبابة من رجولة ما تبرح تتأجج بين ضلوعي.
وانطلقت إليها وفي نفسي ثورة مكفوفة، ورحت أهزها في عنف وأحدثها في كمد ثم دفعتها عني وأنا أناديها وداعاً. . . وداعاً، يا ربة الشاطئ).
يا ربة الشاطئ! إن حب الابن في قلب الرجل فوق حبك، وإن هوى الزوجة فوق هواك، وإن راحة الدار فوق رغباتك! فوداعاً. . . وداعاً يا ربة الشاطئ.