ما اشتدَّ من عزمي وتحطم ما تماسك من قوتي، وحاولت عبثاً أن أصرف عنها خواطري لأن قلبي كان قد علقها على حين غفلة مني. ورأيتني أندفع خلفها، بالرغم مني، وأنا أجرُّ صاحبي خشية يبتلعها الجمع الزاخر على سيف البحر.
وانتحت ربة الشاطئ مكاناً قصياً من منأى عن أمواج البشرية المتلاطمة على سيف البحر عسى أن تسكن ساعة إلى نفسها. وهناك، نزلت إلى البحر ثم اندفعت بين طيات الماء تصارع الموج في عزيمة لا تخشى نصباً ولا رهباً.
وفي صباح اليوم التالي شهد الشاطئ أمراً عجيباً، شهد هذا الرجل الذي ظلَّ أياماً طوالاً يعيش في ثنايا فلسفته، ينطوي على نفسه ويسكن إلى كتابه وحيداً تحت مظلة لا يمل الوحدة ولا يأنس إلى رفيق. . . شهده - لأول مرَّة - يذرع الشاطئ في تبَّانه وبرنسه ونظراته زائغة ما تستقر وعقله قلق ما يهدأ وفؤاده مضطرب ما يسكن.
وحين اندفعت ربة الشاطئ إلى البحر - كدأبها - اندفعت أنا من ورائها أغالب الموج وأنا أحس بفورة الشباب تتدفق في عروقي وتدفعني - في حرارة - إلى غاية. وشعرت الفتاة بي وأنا أتأثرها في خفة وصمت فنظرت فارتاعت - بادئ ذي بدء - ولكن حديثي بعث في نفسها الرضا والطمأنينة، فانطلقنا معاً جنباً إلى جنب لا أستشعر الكلال ولا أحس التعب
وعدنا إلى الشاطئ صديقين جمعتنا أمواج البحر على الصفاء ساعة فيها لذة القلب وسعادة العمر، عدنا لنتلاقى - بين الحين والحين - على ميعاد.
وأحسست بالسعادة تتسرب إلى قلبي وبالهدوء يتدفق في فؤادي وبالنشاط يتألق في عروقي وبالشباب يفعم روحي، وانطوت أيام. . .
لك الله يا صاحبي! لقد جذبتني من خلوتي لأكون صديق روحاتك ورفيق غدواتك، ففقدت في الصاحب والرفيق حين دفعتني إلى الفتاة التي سحرتك. . إلى ربة الشاطئ.
وعز علي صاحبي أن تستشعر الدار فقدي، وهو من ذوي قرابتي الأدنين، وأن يحس هو مني الإهمال وإنه لذو دالة علي، فجاء يشكوني إلى نفسي. وأنصت إلى حديثه بأذني وقلبي هناك. هناك عند الفترة التي صرفتني عن الزوجة والابن والدار جميعاً.
وبدا لعينيه أن الفتاة قد سيطرت على مشاعري فغدوت مسلوب العقل مختلب اللب لا أجد النور إلا من خلال نظراتها الساحرة ولا ألمس السعادة إلا في نبرات صوتها الموسيقي ولا