للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة من دون عنوان

مترجمة عن تشيكوف

بقلم الأديب كارنيك جورج

تشرق الشمس عند الصباح، فتقبل أشعتها الأنداء ن وتعيد إلى الأرض الرونق والبهاء، فيمتلئ الجو بترانيم البهجة والآمال. وما إن يأتي المساء فتغرب الشمس حتى تلتف الأرض بالسكون وتغرق في لجة الظلام.

هكذا الأيام تمضي أبداً متشابهة، وبين حين وآخر تهب العاصفة أو يقصف الرعد أو يدوي صوت تهاوى نجم من نجوم الفلك، أو ينطلق أحد الرهبان في ليخبر رفقاءه عن نمر شاهده قرب الدير! وهذا أغرب ما يحدث. . ثم تتابع الأيام متشابهة. .

كان أكبر الرهبان في الدير يحب العزف على القيثار وقرض الشعر اللاتيني في إجادة فائقة. وحين يعزف على قيثاره يخلب الباب سامعيه من الرهبان، حتى أن الذين أضعفت الشيخوخة حدة أسماعهم كانت الدموع تتبلور في مآقيهم عند سماعه. وفوق هذا يمتاز هذا الأب بظاهرة أخرى، فهو إذا تحدث ملك المشاعر وجذب الأسماع حتى ولو تحدث في أتفه الأشياء. إذ تتغير سحنته حتى تبدو كأنها تفصح عما يريد قبل أن يقول ما يريد بلسانه. فيحمر وجهه، وترتفع نبرات صوته، فيصمت الرهبان مأخوذين، وهم يشعرون بسيطرة هذا الأب عليهم، ولا يريدون منها خلاصاَ، بل يتركون زمام أنفسهم لصوته كيفما يريد.

في بعض الأوقات يدب الملل في قلوب الرهبان، ويسأمون رؤية الأشجار والورود، والخريف والربيع، وتمل أسماعهم هديل الطير وخرير الماء، بيد انهم لا يسأمون غناء هذا الأب ولا يملون أحاديثه!

مضت أعوام كثيرة والرهبان يعيشون حياة مستقرة ولا جديد فيها. في ديرهم البعيد عن مساكن الأحياء بمقدار سبعين ميلاً أو أكثر. لذا فلم يقترب من الدير غير الطيور البرية والحيوانات المختلفة، أما أبناء آدم فلا يقترب منهم إلا من زهد في الحياة وتاق إلى تلك الحياة الشبيهة بالموت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>