للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كتاب مستقبل الثقافة في مصر]

الثقافة العامة

وتعليم اللاتينية واليونانية

للأستاذ أبي خلدون ساطع الحصري بك

عندما نبحث عن الأسباب التي تدعو إلى استمرار بعض البلاد الغربية على فرض تعليم اللاتينية ولو في بعض الفروع من الدراسة الثانوية، يجب علينا إلا نسهو عن تذكر هذا العهد الذي كانت تسيطر فيه اللاتينية على حياة العلم والتعليم في جميع مرافقها سيطرة تامة. . .

كان من الطبيعي إلا تستمر هذه السيطرة المطلقة على طول الزمن، كما كان من الطبيعي أيضاً إلا تزول هذه السيطرة المطلقة دون إن تترك أثراً عميقاً. . .

كان من الطبيعي أن ترتفع أصوات الاعتراض والاحتجاج على هذه السيطرة، مع بزوغ عصر النهضة؛ وكان من الطبيعي أن تقوى الأصوات المطالبة بتخفيف وطأة هذا (النير اللاتيني) - حسب تعبير (لابرويير) الشهير -؛ وكان من الطبيعي أن تصل هذه الأصوات - أخيراً - إلى درجة الدعوة إلى الثورة ضد اللاتينية للتخلص من سلطتها المطلقة. . .

إن الخروج على سلطة اللغة اللاتينية بدأ أولا على شكل (انقلاب ديني) عندما طالب لوثير بترجمة الإنجيل إلى اللغات القومية، ودعا إلى إقامة الصلوات باللغات التي يتكلم بها الناس.

ثم جاء دور الانقلابات الأدبية، فخرجت الآداب - في الممالك الأوربية المختلفة - على سلطة اللغة اللاتينية المطلقة عندما تهذبت وتقدمت اللغات العامية، وأنتجت من الآثار الهامة ما رفعها إلى مصاف اللغات الأدبية.

وأخيراً جاء دور تخلص (العلم والتعليم) من سيطرة اللاتينية، فأخذت هذه اللغة تفقد سلطتها المطلقة في هذا الميدان أيضاً شيئاً فشيئاً.

إن الانقلاب الأخير لم يتم إلا بتدرج غريب، وبطأ عظيم؛ فمثلا اللغة الفرنسية لم تتمكن من دخول المدارس إلا باجتياز مراحل عديدة تتلخص فيما يلي: أولا إفساح المجال للتكلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>