للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأشغال الشاقة المؤبدة]

للأديب فؤاد السيد خليل

قالت: ما هي مدة الأشغال الشاقة المؤبدة؟ قال: خمس وعشرون سنة، ينقص ربعها الذين يحافظون على النظام والطاعة في السجن، فهل تريدين ارتكاب جناية؟ فابتسمت وقالت: لقد تزوجت! وعلى الرغم من محافظتي على النظام والطاعة، وتبرعي بما هو أكثر من النظام والطاعة، لم تنته مدة عقوبتي بعد نيف وعشرين سنة ولا أظنها تنتهي أبداً! قال: إنما كنت اعرضها للسعادة! قالت: هذه أمنية! قال: على كل حال كانت محاولة لم تنجح وشكرا لك. وما هي الأشغال الشاقة التي تفعلينها؟ ألا يقوم الخدم بأعمال المنزل؟ قالت: أيقومون بها دون مساعدتي بل اشتراكي الفعلي؟ ومع ذلك فهذه أمور يسيرة! قال: أعندك بعد هذا ما يسمى أشغالاً شاقة؟! قالت: نعم! الفكر والصبر، والقهر! قال: لا تبالغي! قالت: إنك لا تنكراننا لا نبلغك (كوارثنا) إلا بالتدريج، وبعد أن ننتهي من علاجها أن استطعنا وإنك قد تأتي من الخارج أو تصحو من نومك فلا تعلم كيف قضينا النهار أو الليل في قضايا وإسعاف وتمريض! قال: ولا تنكري أنني لا أبلغكم مصائبي أبداً، وأنني أعمل كالرجل الذي كان إذا أراد أن يدخل منزله ركع وقال للتعب والهم اركبا الآن يا ابني الزمان! قالت: ولكننا نقرا كل شيء في وجهك ونخبرك به! فهل استطعت أنت مرة أن تقرا ما نخفي عنك؟ قال: أشهد أنني أمي في قراءة الوجوه الناعمة! فخبريني بما عندك، وبالتدريج من فضلك. قالت: ابنك الكبير لم يكتب إلينا منذ بضعة شهور. قال: لأننا نكتب إليه، ونسأل عنه، ونحبوه عطفنا قبل أن يحتاج إليه، فهل تحبين أن نضطره إلى الكتابة؟ قالت: وهذا الطفل لا (يتعاطى) إلا الماء والشاي والبطيخ! قال: أخشى أن يأتي يوم تشتكين فيه من أنه (يتعاطى) كل شئ! قالت: لا تمزح، فإني لم أبلغك إلا أخف الأخبار! قال: فما الأخبار الثقيلة؟ قالت: هذه البنت تلزمها عملية جراحية وقد تموت فيها. قال الأعمار بيد الله، والحكومة (الله يسترها) تنقل الموتى من الموظفين وعائلاتهم إلى بلادهم على نفقتها، أما الإحياء فإنها تتركهم إلى أن يموتوا! قالت: فما كنت تريد؟ قال: كنت أفضل أن تنقل الإحياء كل عشر سنوات (بدل وفاة) ولا تتركهم يموتون من الحر والقهر! قالت: وإذا ماتوا؟ قال: تدفنهم حيث يموتون فليسوا خيرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت: لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>