أقبلت على قراءة كتاب (حياة الرافعي) لا كما يقبل عليها غيري من أهل الأدب ومحبي الرافعي، وذلك لما كان بيني وبين الرافعي رحمه الله من صداقة امتدت أكثر من ربع قرن فعرفت من أحواله وأنبائه شيئاً كثيراً، فما فتحت عيني على هذا السفر النفيس الذي تحث عن هذه الحياة المباركة حتى رجعت إلى ذاكرتي من ناحية، وإلى كتب الرافعي الخاصة التي لدي من ناحية أخرى، لأرى إن كان صديقنا سعيد العريان قد صدق فيما روى وحقق فيما أرّخ، أو هو قد سلك تلك السُبل التي يتبعها أكثر المؤرخين من العناية بكثرة الحشد، والتلفيق في الرواية من ههنا وههنا بلا تمحيص في ذلك ولا تحقيق، كأن التاريخ لا حرمة له عندهم، والحق لا رعاية لجانبه في قولهم
جعلت ذلك همي من قراءة كتاب (حياة الرافعي). أما البحث في قيمته وأثره في عالم الأدب، وفضل صاحبه في السبق إلى اقتراع هذه الطريقة من الترجمة، وما إلى ذلك من المزايا التي امتاز بها هذا الكتاب، فقد تركت ذلك كله لغيري ممن يعرضون لنقده أو تقريظه حتى لا يقال إن صديقاً يقرظ صديقه
قرأت الكتاب من ألفه إلى يائه قراءة تدبر ودرس فخلص لي منه أن أخانا الأستاذ سعيد قد فاز بالحسنيين: حسنى الوفاء للرافعي - والوفاء في زمننا قد أصبح غريباً بل صار جريمة ومنكراً - وحسنى إحسان العمل من حيث التحقيق في الدراسة واستيعاب كل ما يتصل بحياة الرافعي حتى خرجت هذه الشخصية الجليلة في هذا السفر صورة حية. ذلك بأنه لم يدع صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولم يذر شاردة ولا واردة إلا قيدها. بيد أن هناك أمرين ما أظن إلا أن اطراد البحث قد أعجله عن استكمال درسهما
ولأني أعرف الحق في هذين الأمرين فقد رأيت إحقاقاً للحق وإنصافاً لمن يتصل بهما أن