أشكر لك أيها الأستاذ الجليل بيانك الجيد عن الشعر المرسل، ولكني ما زلت ألح على ثقافتك الممتازة واطلاعك الواسع وشاعريتك السامية العالية ألا تؤثر على هذه الدعوة التي أدعو بها الشعراء كي يقوموا بتجاربهم في هذا اللون من ألوان الشعر قبل أن يحكموا عليه بمنافاته للذوق وعدم انسجامه وموسيقى الشعر لعربي؛ فهذه هي الاعتراضات نفسها التي صرح بها النقاد في إيطاليا في وجه ترسينو، وفي إنجلترا في وجه مارلو، وفي كل مكان في وجه الذين حاولوه المحاولة الأولى. . . التجربة وحدها هي التي تثبت صلاحية هذا الشعر أو فساده. وقد عرضنا - وسنعرض نماذج من شعر الأستاذ أبي حديد - وهي نماذج متوسطة، من نظم رجل لم يشتهر بالشعر، ولم يمارسه ممارسة المنقطعين للنظم، وهي مع ذاك لا تسف ذلك الإسفاف الذي يجعلها تنبو في الذوق، أو تصدم الأذن الموسيقية، فما بالك لو كان لدينا اليوم نماذج من هذا الشعر، وعلى الأسس التي ابتكرها أبو حديد، من نظمك الشائق الممتاز، أو من نظم مطران أو محرم أو الكاشف أو الجارم أو علي طه أو رامي أو ناجي أو الجبلاوي أو شيبوب، أو من نظم شعرائنا الشباب محمود حسن إسماعيل أو غنيم أو الصيرفي أو عتيق أو بخيت أو البحيري أو قطب أو فهمي أو العجمي أو جودت أو البشبيشي أو محفوظ أو فتحي أو الوكيل. . . إلى آخر هذا الثبت الطويل الذي تعتز به مصر الحديثة من شعرائنا الشباب والشيوخ على حد سواء. . . أظنك تتفق معي أيها الأستاذ الجليل على أن التجربة وحدها هي التي تكفل لنا الحكم الصادق على صلاحية هذا الشعر أو عدمها، وأن التجربة التي قام بها أبو حديد إنما ينبغي أن يقوم بها شعراء أقوى - ولن يضير أبا حديد هذا القول - شعراء مارسوا الشعر وامتازوا بالأسلوب القوي والديباجة المصقولة، شعراء يستطيعون أن يمنحونا هذا ال كما منحه مارلو وكما منحه شكسبير للأمة الإنجليزية
ونحن لا نرى أنه من اللازم اللازب أن يكب شعراؤنا على هذا اللون وحده من الشعر، في نظم الملاحم والمطولات، إذ يكون هذا هو التعسف بعينه، فقد تكون المقطوعات أو ال أجمع للرواية وللموسيقى من الشعر المرسل، خصوصاً إذا قام بنظمها الشاعر الفحل