خالج النفس صفاء وبهاء ... وتجلت فتنةً للنظر
فتنة لا بل ضياء وهدى ... وجمال جل في إتقانه
ذلك المخضلُّ من تحت الندى ... كم أراح القلب من أشجانه
لو رأيت القطن في بهجته ... وهو يختال على الغصن المديدْ
قلت حلم الصب في نشوته ... يتوشى كل يوم بجديد
وكأن القمح في رَأْد النهارْ ... يتراءى في شذور الذهبِ
لجة الماء يغُشّيها النضار ... وتحلى من شعاع المغرب
والسواقي من قريب وبعيدْ ... صادحاتُ بالمياه الجارية
يتغنى خلفها طفل سعيد ... مستظلاً بالغصون الساجية
وبنات الريف يحملن الجرارْ ... في دلال يكتسي بالخجل
هن للقرية زين وفخار ... وعليهن صلاح المنزل
حبذا الزوجة تصفي ودها ... وتؤاسي الزوج بالقلب الأمينْ
تحلب الشاة وترعى ولدها ... وهي في الحقل له نعم المعين
خُلق يورق في ظل الربى ... ويروَّي من معين لا يشابْ
هو والنبت ونفحات الصبا ... فطرة تذكو بأرواح عِذاب
أيها الريف زهت فيك الحياة ... وتجلت صنعة المقتدرِ
كلما حدثت قلبي بمناه ... راعني فيك جمال الذِّكرْ
فإذا النفس تولاها الكرى ... ومضت تغفل عن دنيا الزحام
لحتَ في الخاطر حلماً مزهرا ... يتلاقى الصفو فيه والسلام
محمد طاهر الجبلاوي