للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب الغربي]

الذئب في الأدبين العربي والفرنسي

وصف الفرزدق صداقته وذئبا عاهده على ألاّ يخونه، فكان وفياً، ووصف الشريف الرضي ذئبا أصبح غرضا لقسي نوازع، وطعمة لرهط جائع؛ ووصف البحتري ذئباً هزيلا سدد إليه نصالاً أوردته منهل الردى، في قصائد تراها في دواوين هؤلاء.

وقد رأيت أنها في موضوع واحد - هو الذئب - فما المجلية بينها إذا جرت معا في حلبة السباق؟ وما التي تقرب من المثل الأعلى في الموضوع؟ وهل لها في غير العربية مثيل أو شبيه؟

وما دام في الفرنسية لهذه القصائد ند، وما دام بين الشعراء الفرنسيين من نظم في هذا الموضوع، فسنعرض لقصائدهم هذه بالنقل علّنا نستطيع الموازنة بينها كلها أو البحث فيها كلها، ولعل قصيدة (ألفرد دفيني) الشاعر الفرنسي الفذ في (موت ذئب) أقرب ما قرأت إلى هذه الروائع، فستكون أول ما نترجم، وأما الموازنة بينها فستكون في عدد تال إن شاء الله.

موت ذئب

خفت السحب إلى القمر المتألق، كما يخف الدخان إلى الحريق، واسودت الغابات فبلغ سوادها الأفق، وكنا نمشي على النبت الأخضر الندي دون أن ننبس بكلمة. فلمحنا في الظلام الكثيف تحت أشجار الصنوبر مخالب الذئاب التي كنا نطاردها منذ هنيهة.

فأنصتنا حابسين انفاسنا، وسمرنا أرجلنا إلى الأرض، فلا الغابة ولا السهل يتنفسان في وجه الريح الساكنة، اللهم إلاّ دولاب هواء حزينا كان يصعد في السماء زفرة وداع أليمة، لأن الهواء ارتفع عن الأرض فلا يصيبه منه شيء.

وكان كل شيء ساكنا، حين تقدم الصياد الشيخ خافض الرأس يتحرى ويدقق، فنظر إلى الرمل الذي اضطجع عليه منذ قليل ثم قال:، وهو الذي لم تؤخذ عليه هفوة، إن هذه الآثار آثار مخالب ذئبين كبيرين وجرويهما تبخرت منذ وقت غير بعيد.

فهيأ كل منا سكينه، أخفينا بندقياتنا وبريق حديدها الأبيض، ووقفت وثلاثة من رفاقي نرمي ببصرنا إلى الأمام، فإذا عينان تتقدان بالشرر، وأربعة أشباح أخرى رشيقة ترقص في

<<  <  ج:
ص:  >  >>