في مجلة باريس التي ظهرت أول يناير فصل قيم، دقيق مستفيض عن المجمع العلمي المصري، الذي أنشأه بونابرت في القاهرة في شهر أغسطس سنة ١٧٩٨. تقرأه فيعجبك لفظه العذب وأسلوبه المتين، ودقة صاحبه في البحث وعنايته بالتفصيلات، وعنايته قبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء بتمجيد فرنسا وبونابرت، وما كان لهما من أثر بعيد في أحياء مصر الحديثة، وتمهيد السبيل أمامها إلى الرقي المادي، والمعنوي جميعاً.
وربما أحسست (وأنت تقرأ هذا المقال) شيئا من الحزن الخفي يمازج هذا الفخر الظاهر، الذي يملأ نفس (المسيو ف. شارل ليرو) كاتب هذا الفصل. لأن هذا الجهد العنيف الخصب المعجز، الذي أنفقه الفرنسيون أثناء إقامتهم القصيرة بمصر في أواخر القرن الثامن عشر لم يؤت الثمر الذي كان ينتظره بونابرت وأصحابه، والذي كان الفرنسيون يودون أن يكون شيئاً غير الفخر والذكرى.
ولعلك تعلم أن هذا المجمع العلمي المصري الذي أنشئ في القاهرة منذ قرن وثلث قرن، على نظام المجمع الفرنسي، وسعى إلى نفس الأغراض العلمية والأدبية التي كان يسعى لها هذا المجمع وسعى بعد ذلك إلى أغراض عملية كانت تحتاج إليها سياسة الفاتحين وإدارتهم. لعلك تعلم أن هذا المجمع لا يزال قائماً إلى الآن أعيد تنظيمه سنة ١٨٥٩ وهو الآن يعمل كما كان يعمل آخر القرن الثامن عشر يبحث أعضاؤه عن الرياضة والطبيعة والطب والعلوم الاقتصادية والسياسية والفنون والآداب، ويبحث الآن كما كان يبحث من قبل عن حلول عملية لبعض المسائل التي تمس الزراعة والري والصحة وما إلى ذلك وهو يعتبر كأنه فرع من المجمع العلمي الفرنسي المستقر في باريس ولأعضائه إذا ذهبوا إلى مدينة النور أن يشهدوا جلسات هذا المجمع. وهو دولي كما يقولون فيه علماء يمثلون الأجانب الذين يقيمون في مصر على اختلاف جنسياتهم، وفيه مصريون. ولكن مصر لا تكاد تحسه ولا تشعر به وإن إعانته الحكومة المصرية بالمال، وإن كثر ما ينشره من الكتب والمذكرات، وإن أصدر نشرته في نظام واضطراد لأن لغته ليست اللغة العربية وإنما هي اللغة الفرنسية غالباً والإنجليزية أحياناً. ولست ادري أنشر هذا الفصل في مجلة باريس