بمناسبة المرسوم الملكي الذي صدر في منتصف الشهر الماضي بإنشاء المجمع الملكي للغة العربية أم هي مصادفة مطلقة؟ أرادت أن تشتغل مجلة من اكبر المجلات الأوربية بالمجمع العلمي المصري القديم، وفي الوقت الذي تشتغل فيه الصحف المصرية والأندية المصرية بالمجمع الملكي الجديد.
ولكن شيئا يدعو إلى التفكير على كل حال حين نقرأ الفصل الذي نشرته مجلة باريس وهو نشاط الفرنسيين وإسراعهم إلى إنشاء هذا المجمع وفتور المصريين وإبطاؤهم في إنشاء مجمعهم اللغوي.
أيام قليلة لا تكاد تبلغ الخمسة كفت لأن يتكلم بونابرت في مجمعه العلمي إلى بعض العلماء الفرنسيين الذين كانوا يرافقونه ويصدر إليهم أمراً بان يجتمعوا فيضعوا له نظماً ويرشحوا له أعضاء ولأن يجتمع هؤلاء العلماء فيضعوا النظام ويرشحوا الأعضاء ولأن يصدر المرسوم ويعقد المجمع جلسته الأولى وما هي إلا أسابيع قليلة حتى يجمع العلماء الفرنسيين الذين كانوا مفرقين في الإسكندرية ورشيد ليأخذوا مجالسهم في مجمع القاهرة ولا يكاد يعقد المجمع جلسته الأولى حتى يبدأ البحث وتقرأ المذكرات وتنشر الرسائل وكانت المطبعة والمعامل قد أعدت من قبل وما هي الا أعوام حتى يظهر هذا الأثر الخالد لهذا المجمع وهو كتاب وصف مصر.
أما نحن فنفكر في مجمعنا اللغوي منذ أعوام طوال ونحاول إنشاءه فلا نوفق. فكرنا فيه أن صدقتنا الذاكرة في أوائل هذا القرن وقبل الحرب الكبرى وفكرنا فيه وحاولنا إنشاءه أثناء الحرب وفكرنا فيه بعد الهدنة وفكرنا فيه بعد الاستقلال، واعددنا له مشروعا ومشروعا ومشروعاً وكان بعض هذه المشروعات يضيع فلا يهتدى إليه، وبعضها ينام فيطيل النوم وبعضها يقبر قبل أن تنبعث فيه الحياة. وأخيرا وبعد التفكير والتقدير، وبعد الذهاب والإياب، وبعد السفر والإقامة صدر المرسوم، وقيل في البرلمان أن المجمع اللغوي قد أنشئ. وهو قد أنشئ حقاً ما دام المرسوم الذي ينشئه ويحدد أغراضه ويرسم شكله ويبين له خطة العمل قد صدر ونشر وتحدثت عنه الحكومة في البرلمان. ولكنه منشأ بالقوة لا بالفعل، لأن مكانه لم يعرف وأعضاءه لم يختاروا وأبحاثه لم تنشر، والوجود بالقوة خير من العدم على كل حال. أنفق بونابرت أياما لينشئ مجمعاً ينتج بالفعل في واد مجدب من العلم