في نهاية شارع الجامعة الطويل، وقريباُ من الشان دي مارس يوجد (مخزن الرخام) في ركن منعزل مهجور يشعرك بأنك في الريف. في فناء هذا المخزن الذي تكسوه الأعشاب ترقد قطع رخامية غبراء ثقيلة مبعثرة، تبدو في مواضع منها كسور حديثة العهد تنم عن بياض ناصع. تلك هي أحجار الرخام التي احتفظت بها الدولة للمثالين الذين تشرفهم بعمل تماثيل لها.
ويقوم إلى جانب من هذا الفناء عدة مراسم خصصتها الدولة لمختلف المثالين، تبدو كأنها مساكن للطلبة من طراز جديد، وهي بمثابة مدينة صغيرة للفنانين، يجللها هدوء عجيب. يشغل رودان مرسمين من تلك المراسم، يعمل في واحد منها ويضع في الآخر سبائك الجص لقطعته المعروفة (باب جهنم)، تلك القطعة التي تسبي العقول برغم أنها لم تكتمل بعد.
ولقد اعتدت أن أزوره هنا أكثر من مرة في آخر النهار، عند ما يوشك أن ينفض يده من عمله اليومي. فكنت أجلس على كرسي وأرقبه وهو يعمل، وأرتقب تلك اللحظة التي يرغمه فيها الظلام على الكف عن العمل، ولكن كان حرصه على الانتفاع بآخر شعاع من أشعة النهار يلهب أعصابه ويصيره كالمحموم.
وهأنذا أراه يسوي ويشكل تماثيله الصغيرة من الطين بسرعة خاطفة. وهو يجد في ذلك ضربا من التلهي والتسلي يجنح إليه في الفترات التي تتخللها عمله الوئيد الذي يبذله في صنع التماثيل الكبيرة. ثم انه يجد في تلك الدراسات العجلي التي تؤدى للتو واللحظة متاعا ولذة لأنها تعينه على إمساك حركة رشيقة أو إيماءة جميلة عابرة، قد لا يتاح لصدقها الآبق