لا يزال في كتابنا النابهين من يكتب بالسليقة فلا يكلف نفسه عناء
الرجوع إلى معاجم اللغة، أو النظر في قواعد الأعراب، أو البحث في
أصول الكتابة. وقد ساعدهم على الإخلاد إلى هذا الكسل الأدبي
إغضاء النقد وغفلة القراء. وعاقبة هذا الكسل وخيمة على الفن في
ذاته، وعلى الفنان في مستقبله.
ومن أقرب الأمثلة على الخروج عن قواعد الفن الأولية أن صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم قد سمح لحماره أن يتدخل في فنه، فنشر في عدد السبت الماضي من (أخبار اليوم) أقصوصة جعل عنوانها (وكانت الدنيا)، ومن حول هذا العنوان كتب بخط ظاهر: قصة العدد خيالية. ثم بدأها بقوله:(لماذا تمرد إبليس؟ قصة ذلك مدونة جاءت بها الكتب السماوية ولا سبيل للشك فيما روت؛ ولكن خيال الروائي يجنح أحياناً إلى اختلاق صور أخرى للحادث الواحد، ولا بأس من عرض إحدى هذه الصور على سبيل التفكهة لا الاعتقاد). ثم نقل عن (أبى الفداء) كلاما في إبليس، ثم قال بعد ذلك:(وتبدأ قصتنا هذه المخترعة بعد أن تم خلق آدم. . . الخ).
فهل يجوز للقصصي أو الروائي أن يفضح سر فنه للناس فيقول لهم أول ما يقول: إن هذا الحادث الذي ستقرءونه أو ستسمعونه أو ستشاهدونه اختلاق محض وكذب صريح؟ وهل يسمح لنفسه كاذب أو فياش من عامة الناس أن يبدأ حديثه الذي احتشد له وأفتن فيه بأنه تلفيق أو إغراب أو مبالغة؟ إن المحدث متى اعترف بكذب حديثه أول الأمر جرده من اللذة والفائدة فلا يهتم له السامع أو القارئ مهما كان موضوعه طليا وعرضه فنيا؛ ولذلك شرطوا في القصة أو الرواية الصدق أو قابلية الصدق وأوجبوا على القصاص أو الروائي أن يستعين على تمثيل الحقيقة بالخداع الشعري أو المسرحي , محافظة على التأثير والتشويق، وحرصاً على التوفيق بين الفن والحقيقة. ويظهر أن الذي دفع الأستاذ الحكيم إلى هذه المخالفة الفنية، مخالفة الأقصوصة للنصوص الدينية، ولكنه كان حقيقاً بأن يحتال