امتاز الأدب العربي بطائفة من العُميان فقدوا نعمة البصر ولكنهم لم يفقدوا نعمة الذكاء والفهم والبصيرة. حتى لقد بلغ بعضهم منزلة يحسده عليها المبصرون.
وفي كل أمة طائفة من هؤلاء، اشتهروا بحسن الأثر، وجليل العمل. وعند الإنجليز منهم أمثال الدكتور أرميتاج؛ والقس توماس برنارد، والسير فرنسيس كامبل، ودكتور رانجر؛ والسير روبرتسون تندال، وهنري تايلر، والسيدة هيلين كيلر.
وعند الفرنسيين منهم أمثال السيدة جاليرون دي كاليرون
وعند العرب أمثال أبي العلاء المعري، وبشار بن برد، وحماد بن زيد الضرير.
والذي يولد أعمى يقال له أكمه. ومن هؤلاء عندنا بشار ابن برد وقد جمع إلى الكمه جحوظ العينين وضخامة الخلقة وعظم الوجه.
ومن العميان من أصابه العمى في طفولته، كما حدث للمعري، وقد اعترف هو بذلك في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة.
وقد يكون العمى في الصغر نتيجة لشيء آخر غير المرض. كما حدث للقس برنارد الإنجليزي وللسير فرنسيس كامبل الذي جنت على بصره لعبة طائشة.
وقد يكون العمى نتيجة لحادث مقصود لذاته، كتوقيع عقوبة أو تنفيذ حكم. كما حدث لأمير المؤمنين المتقي الخليفة العباسي الذي خلعه الثوار وسملوا عينيه، ولم يمنعهم دينه وصلاحه وكثرة صلاته وقيامه من تعذيبه على تلك الهيئة. واجتمع عليه فقد البصر وعذاب السجن خمسة وعشرين عاماً احتملها صابراً راضياً مذعناً لقضاء الله. وله في ذلك أبيات مؤثرة يقول فيها:
سملونا وما شكو ... نا إليهم من الرمد
ثم عاثوا بنا ونح ... ن أسودٌ وهم نقدْ
كيف يغتر من أقا ... م وفي دستنا قعد
وكما حدث للوزير محمد بن بقية وزير بني بويه الذي رثاه ابن الأنباري الشاعر بقصيدته المشهورة التي مطلعها: -