للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مناكفة المرأة]

للأستاذ عباس محمود العقاد

(التك) عند العامة هو معاودة المرأة الكلام الذي تقصد به الإساءة وتغمغم به غالباً كأنها تزعم أنها تخاطب نفسها وهي تخاطب من تعنيه ويستمع إليها في تلك اللحظة. وأكثر ما يكون (النك) من قبيل الغمز أو التصريح الذي تجرح به غرور الرجل أو تتناول به موضع الضعف منه وهو يتحاشى أن يصاب فيه، ولا سيما أمام المرأة التي يهمه أن يظهر لها في مظهر القوة والرجاحة على الأقران.

والعامة يحكون بكلمة (النك) صوت المرأة وهي تلح في تلك الغمغمة كأنها تعاود الطرق أو الدق على نغمة واحدة لا تسأمها وهي موجبة للسآمة.

ولهذا تتفق الكلمة وما يقابل معناها في بعض اللغات الأوربية، لأن صوت الطرق أو الدق واحد في جميع الآذان. فيقول الإنجليز مثلا نج ليعبروا بها عن مناكفة النساء من هذا القبيل.

ويظهر أن المادة في اللغة العربية تتسع لكثير من الكلمات في هذا المعنى وما قاربه من معاني الدق والوخز والمناكفة. فإذا صح أن الكلمات كلها ثنائية في نشأتها الأولى ثم زيد عليها حرف أو حرفان للزيادة في معناها فعندنا من هذه المادة ومن هذا الباب كلمات (نكأ ونكت ونكث ونكز ونكش ونكف) متقاربة في معنى الوخز والتجريح كأنه يأتى من الضرب بأداة تحدث ذلك الصوت المكتوم.

والنك قديم في العالم كقدم لسان المرأة. ما نظن أن أذن آدم أخطأته من لسان حواء، ولا نظن أنه يضل سبيله بين الألسنة والأسماع حيث يوجد الرجال والنساء.

فمن (النك) كلام امرأة الأخطل وهي تذكر زوجها القديم وهو يجيبها بذينك البيتين:

كلانا على هم يبيت كأنما ... بجنبيه من مس الفراش قروح

على زوجها الماضي تنوح وإنني ... على زوجتي الأخرى كذاك أنوح

ومن النك كلام الأعرابية التي كانت تحدث صاحبها عن زوجها الأول ويسألها بماذا تذكره من أحواله التي لا تنساها. فلما قالت إنه خرج ذات يوم فرمى وطرد وقنص وعاد وعليه الغبار والدم (فضمني ضمة، وشمني شمة، فليتني مت ثمة) ذهب الأبله يحكيه وعاد وعليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>