للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[جان دارك]

(١٤١٢ - ١٤٣١)

سيظل اسم جان دارك مقروناً بالإعجاب والدهشة إلى الأبد، لأن هذه الفتاة البسيطة أنفذت في حياتها القصيرة عملاً جليلاً يعد من معجزات الدهر. وهي بذاتها وحدة من عناصر العظمة، وقائدة حيث نسي معنى القيادة، وإلهام في جيل إنعدم فيه الإيمان، ومنقذة لبلادها من وهدت الضياع.

وجان دارك رمز خالد للمحاربين الفرنسيين الذين عملوا معها على خلاص بلادهم من يد الأنجليز، وهي للفرنسيين الوطن الذي له يحيون ومن أجله يموتون، وهي في نظر الإنجليز ليست أقل من ذلك. ويقترن الاحترام المطبوع في نفس كل إنسان لجان دارك بالعار الذي لطخ الإنجليز به التاريخ بإحراق هذه الشهيدة القديسة ولا سيما إذا علمنا أن سبب إعدامها هو تخليص وطنها. ولتعجب عندما تعلم أن تسليمها إلى يد معذبيها كان بواسطة مواطنيها من أجل ثلاثين قطعة فضية بيعت بها.

وتتلخص قصة هذه البطلة في أن فرنسا كانت تحت حكم الإنجليز، وكان الملك في عهدها معتوهاً يطلق عليه الفرنسيون (ملك البورج) تهكماً وسخرية؛ لأن منطقة البورج هي كل ما بقيت له مما ورثه عن آبائه العظام. وكان حال الأمن في فرنسا على أسوأ ما يكون. فإلى جانب اعتداء جيش الاحتلال كان نهب قطاع الطرق وسلب اللصوص. وتعطلت الأعمال في نصف الأراضي الفرنسية بما عليها من كنائس جميلة البناء وقرى مستقرة بزرعها وصناعاتها بينما كان ولي العهد محاطاً ببطانته السيئة يحيا حياة فراغ وكسل وإهمال.

ومن هذه الصورة التي رسمتها لك قامت لنجدة فرنسا فتاة قروية لا شأن لها إلا رعاية أغنام أبيها وقطعانه، أو تطريز أقمشة للكنيسة بمساعدة أمها. وكان قلبها ملآن بالورع والتقوى تتخيل وهي أمام القداس أنها ترى الضوء المعكوس على زجاج نوافذ كنيسة دومرمي كأنه نصر مزدهر للأيمان والوحي اللذين لم تستطع أن تفهم كنههما بأكثر من أنهما هبة من الله القدير. وكانت عذراء دومرمي تستمع إلى قصص الحرب وأهوالها في أبناء وطنها وسلب أراضي بلادها، وقوى أثر هذه القصص في نفسها فملأها قوة وحماسة. وتحول إيمانها الذي أكسبتها الكنيسة إياه إلى ما يشبه الوحي المنزل عليها من السماء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>