تلقينا هذه الكلمات من فتاة سورية فلخصناها وعرضناها على القراء كما شاءت. وسننشر في موضوعها ما نراه أحجى بالنشر وأدنى إلى الغرض.
كثيرات هن اللواتي يغبطنني على حياتي، ويتمنين لو أتاح لهن الحظ حياة مثلها. يرون في كما يرى بقية الناس شابة جميلة، أربح من وراء مهنتي مبلغاً يدني حياتي من الرفاهية، وماذا أبتغي من الحياة بعد؟. . .
ولكن آه! لشد ما أعاني من الألم في إخفاء حقيقة نفسي، وظهوري أمام الناس بهذا الوجه الباسم، والعينين الممتلئتين نشاطاً واغتباطاً وبهجة. حقاً إن أشقى الناس ذلك الذي ينزل إلى قرارة نفسه، وهناك في أعماقها يدفن ما يعاني من ألم ممض وشقاء ملازم - وهكذا الأيام تمر، والسنون تكر، وآلامي مدفونة لا أستطيع الجهر بها حتى لأقرب الناس إليّ، لأنهم هم مسببوها ومصعبوها من حيث يشعرون أو لا يشعرون. . .
ولدت في أحضان الترف والنعيم، وربيت في حجر الدلال والرفاهية، محاطة بالحب، مغمورة بالإعزاز، ولكن ما كدت أتجاوز العاشرة من العمر حتى أصيب والدي بنكبة مالية زعزعت كياننا وقلبت كل شئ رأساً على عقب. كنت صغيرة حينذاك، ومن كانت في هذه السن لا تهتم إلا بالمرح واللعب، ولكن الأمر كان معي على النقيض، بدأت أشعر بفداحة المصاب وأتألم بقلبي الصغير ألماً هادئاً ساكناً، ولما كنت بكر والديّ، وكنت محور أمال أبي لما يرى من جدي واجتهادي في المدرسة، كان يؤثرني بعطفه ويخصني بمحبته. كان لا يرى بداً من تعليمي والإنفاق علي. وفي الرابعة عشر من عمري أرسلني إلى مدرسة ليلية أجنبية بعد أن نلت الشهادة الابتدائية بتفوق عظيم، ولقد مضى على هذه الحادثة ما مضى وأنا أتصورها بنت الساعة. وأودعني ذلك الوالد الحنون المدرسة، وأوصى بي الرئيسة والأخوات خيراً. وبعد ثلاثة أيام زارني قبل سفره ليستفهم عما إذا كنت في حاجة إلى شئ؟ وأعلمني بعزمه على السفر، وزودني بنصائحه الغالية، فاغرورقت عيناي بالدموع، وتكلفت الابتسام لأخفي ألمي لهذا الفراق الذي كان أول عهدي به، فضمني إلى صدره وغمر رأسي بقبلاته ثم بكى، وكأنه أبصر بعيني بصيرته ما ينتظرني من ألم