للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لقصص]

الباسمة

قصة مصرية

للآنسة سهير القلماوي. لسانسييه في الآداب

سكت القوم وكأنهم ينصتون إلى نغم سماوي جميل. وكأن النغم قد حملهم من الأرض الدنسة إلى السماء الطاهرة، واستمرت هي في عزفها تهز أوتار القلوب هزاً ضعيفاً مطرباً ثم أتمت عزفها والتفتت إلى السامعين فإذا كل منهم مشدوه، ألهاه الطرب وأنساه النغم أن يظهر إعجابه أو سروره. ورنت ضحكتها العذبة الجميلة فتنبه السامعون ودوى المكان بالتصفيق الشديد.

كنت في السامعين ولم أكن أعرف عنها ألا أنها عذبة الابتسامة وضاحة المحيا، يشع من نفسها سحر عجيب يملأ ما حولها حياة فرحة نشيطة. سألت عنها فقيل أنها تتكسب بعزفها هذا لتعول طفلها الصغير الوحيد. ورحت أسأل عنها هذا وذاك فعرفت أنها شخصية فذة، شخصية نادرة عجيبة. مات أبوها وهي في سن الطفولة، وفقدت أقرباءها واحدا وراء الآخر حتى فقدت زوجها منذ زمن يسير. ولكن الغريب من أمرها أنها برغم هذا كله كانت مبتسمة ومتفائلة دائما. لقد صغرت الدنيا في عينها ولم يسلمها هذا الاستصغار إلى الألم أو الحزن أو اليأس. فهي لم تكن يوماً ما تؤمل من الدنيا شيئاً حتى يخيب أملها فيها. ثم هي لا توقن بشيء من أمر آخرتها. كل ما تعرفه أنها تعيش وأن الحياة شيء بهيج يجب أن تستمتع بها كل الاستمتاع، فمن يدري لعل نهايتها قريبة! بل لعل ألواناً من العذاب تنتظرها بعد حين!

كانت شديدة الشغف بالطبيعة، تخرج أليها كلما استطاعت تستنشق نسيمها وأريج أزهارها، وكأنما تستنشق حياة جديدة فتزيد حيويتها ويزداد بشرها وسرورها.

منذ ذلك اليوم أصبحنا صديقين تزداد معرفة كل منا بالأخرى، يوماً بعد يوم، فيزداد لذلك حبنا ويستوثق رباطنا. ولقد صحبتها في بعض محاولاتها الأخيرة، فقد حاولت لتزيد كسبها أن تطرق ميدان الأدب ثم ميدان التعليم فطرقتها جميعاً وأخفقت في كل منها إخفاقاً لا ذنب

<<  <  ج:
ص:  >  >>