نقلت الرسالة في عددها الرابع والخمسين ما دونه المغفور له تيمور باشا من حياة المرحوم إبراهيم بك مرزوق وانه كان شاعرا مجيدا نظم كثيرا من المقطوعات والقصائد. ولكنه مع توسع في ذكر مولده ونشأته وأدوار تقلبه في مناصب الحكومة أوجز كثيرا في حياته الأدبية مقتصرا على ان المرحوم محمد بك سعيد هو الذي جمع ديوانه ونشره في سنة ١٣٨٧هـ، فلم يتعرض إلى شيء من شعره ليعيطنا صورة ريانة من تلك الحياة.
وقد كنت أود لو أن بين يدي ديوان هذا الشاعر الذي لم اهتد إليه في المكاتب، فاسد هذا الفراغ، ومع ذلك فانه لا يزال عالقا في ذهني منه هذان البيتان:
لم يُرضِني الهجرُ حتى ... عُمر الحبيب تقضى
والأرض ضمَّتهُ قبْلي ... يا ليتني كنت أرضا (أرضى)
وقد لا يكون هذا القدر القليل كافيا للحكم على هذا الشاعر من حيث ميوله المختلفة في مجموعها وعلاقتها بالبيئة التي عاش فيها، ولكنه على كل حال شاهد صدق على ما كانت عليه نفسه من الرقة وكان عليه أسلوبه من الفخامة والحلاوة والسهولة، فهذان البيتان مع انهما من المجزوء تضمنا قصة بحالها يجول فيها الحب وجناته والهجر وأناته، والموت وأظفاره، والدمع وانهاره، وهو بين الحبيب الذاهب، واليأس الغالب، يعود باللائمة على نفسه التي لم تقنع بالهجر وتجد لذاتها فيه، حتى ضمته الأرض قبل أن تضمنه حنيا قلبه الشجي المحترق، وهو مع كل هذا لا يفوته الحكم الصناعة فيخرج لنا جناسا لا نحس عنده جهدا ولا تكلفاً ولا مللاً، يجمع بين الندم على عدم الرضى، والحسرة على فوز الأرض بالحبيب من دونه.
على أن الذي هداني إلى هذا الديوان وأنا فتى هو نفس المرحوم محمد سعيد بك الذي عنى بجمعه ونشره، فقد كان كثيرا التردد على المرحوم جدي، (وكان صديق أبيه)، وكان من تردده علينا أن حبب إلى نفسي قرض الشعر في ذلك العهد.
ولقد كان محمد سعيد بك واسع الاطلاع غزير المادة فياضا مجيدا. اذكر انه زارنا مرة فوجد معي قريبا جميل الطلعة، فمال علي هامساً في إذن ي ما اسمه؟ قلت مصطفى، وعند