منذ بضعة أعوام ظهرت للكاتب الفرنسي الكبير أندريه جيد عدة مقالات رنانة تفيض بالمديح في روسيا السوفيتية وفي نظمها وأحوالها، وفيما هيأته للطبقات العاملة من حياة جديدة، ولكن أندريه جيد يطلع الآن على قرائه بكتاب جديد عنوانه:(العودة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي وفيه يحمل على روسيا السوفيتية بعنف وشدة، وينعت ما سماه قبل بجنة العمال والطبقات العاملة بالجحيم المستعر، ويقول لنا أندريه جيد في سر هذا الانقلاب إنه كان يحب روسيا ونظمها الجديدة قبل أن يرى ويختبر بنفسه ما فيها؛ ولكنه الآن وقد وقف بنفسه على الحقيقة، وشاهدها في موطنها، وبعد أن أقام في روسيا زهاء ثلاثة أعوام، يستطيع الآن أن يقول فيها كلمة حق وصدق
يقول لنا أندريه جيد في كتابه: (إن أقل احتجاج أو نقد يعاقب عليه في روسيا السوفيتية بأشنع العقوبات، ثم يخمد في الحال؛ وإنه يرتاب في أن دولة أوربية أخرى - حتى ألمانيا الهتلرية ذاتها - يخمد فيها الرأي ويسحق ويذل مثل ما هو في روسيا)
ثم يقول لنا أن الثقافة العالية وسفه الرعاع في روسيا أمر سواء، ولا يسمح لإنسان أن يفكر بغير ما تفكر به جريدة (برافدا) لسان الحزب الشيوعي؛ ويحظر على كل روسي أن يعبر الحدود؛ وأن يعرف شيئاً عن العالم الخارجي؛ والمهم دائماً هو أن يعتقد الشعب الروسي أنه أسعد حالاً من كل الشعوب الأخرى
ثم إنه فيما خلا الطبقة الممتازة التي تنعم بالحياة المترفة في الطعام واللباس والمسكن، ترى الشقاء يسحق كل الطبقات والجموع؛ ويتكدس الناس في مساكن ضيقة قذرة ويعيش معظمهم على الخبز الجاف والسمك؛ وأما البضائع فهي مكدسة في الحوانيت والمخازن ولكنها جميعاً من أردأ صنف؛ والرداءة صفة عامة لكل شيء في روسيا. وأما المبادئ الشيوعية فلم يبق منها إلا صورتها؛ وتجد السياسة السوفيتية الحالية في التدرج في إحياء الأسرة والملكية الشخصية والميراث، حتى يشعر الفرد أنه يملك شيئاً لنفسه يجب أن يدافع عنه؛ بيد أن الفرد ليس له وجود، وقد سحق كل ما فيه من مظاهر الاستقلال المادي والمعنوي