للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أوربا على المنحدر]

معركة المبادئ والنظم

لباحث دبلوماسي كبير

كانت الثورة الأسبانية نذير عاصفة دولية جديدة من نوع خاص؛ فقد سرت ريحها خارج الجزيرة بسرعة، وتكشفت عن نتيجة لم يكن يتوقعها أحد؛ ذلك أنها لم تبق بعد مسألة داخلية تهم أسبانيا وحدها، ولكنها تغدو شيئاً فشيئاً مسألة أوربية عامة تشغل بشأنها الدول العظمى. ومما يلفت النظر بنوع خاص، هو أن ما تثيره الحوادث الأسبانية من الاهتمام لا يقتصر على الناحية السياسية فقط، بل يتعداها إلى ناحية أخرى أهم وأبعد أثراً، هي الناحية الاجتماعية، أو بعبارة أخرى، هي ناحية النظام الاجتماعي الذي تدور حوله رحى الحرب الأهلية في أسبانيا.

وقد تناولنا أسباب الثورة الأسبانية وتطوراتها في مقال سابق، وبينا كيف أنها تقوم على صراع بين المبادئ والنظم ما زالت تضطرم أسبانيا بشرره مذ قامت فيها الجمهورية على أنقاض الملوكية القديمة وطغيان العسكرية المطلق؛ على أن هذه الناحية الاجتماعية في معارك أسبانيا الأهلية لم تبد من قبل بمثل ما تبدو به اليوم من القوة والوضوح؛ ففي معسكر الحكومة الجمهورية تجتمع جميع الطبقات العاملة من الفلاحين والعمال وجميع القوى الديموقراطية والاشتراكية، وفي معسكر الثورة تحتشد عناصر الطغيان العسكرية التي حكمت أسبانيا من قبل عدة أعوام، ورجال الدين الذين جردتهم الجمهورية من نفوذهم وامتيازاتهم القديمة، وفلول الملوكية القديمة ومن إليهم من النبلاء ورجال المال والصناعة الذين أضرت النظم الاشتراكية بمصالحهم المادية، وهؤلاء يمدون الثورة بالمال؛ وهذه الصورة البارزة التي تقدمها إلينا الحرب الأهلية الأسبانية، يقدمها إلينا زعماء الجبهتين الخصيمتين أنفسهم؛ فزعيم الثورة الجنرال فرانكو يقول لنا إن الثورة الحالية إنما هي حركة قومية يراد بها إنقاذ أسبانيا من قبضة الاشتراكية والشيوعية، ومن الفوضى الاجتماعية التي انحدرت إليها في ظل الأنظمة المتطرفة، وإقامة حكومة قومية تحترم حقوق الفرد والملكية، وتعيد إلى أسبانيا هيبتها الدولية في ظل أنظمة قوية محترمة؛ وحكومة مدريد تقول لنا إنها تدافع عن الحريات الجمهورية إزاء الخطر الفاشستي الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>