منذ زمن طويل والكتاب يدعون أستوديو مصر إلى إخراج العشرة الطيبة للسينما، وقد كان رجال الأستوديو يترددون دائماً حيال هذه الأوبريت الرائعة ويشفقون من إخراجها بسبب واحد وهو أن قصة العشرة الطيبة تصور الحياة المصرية في حقبة من الزمن لا تشرف المصريين، وهي تلك الحقبة التي حكمها فيها الأتراك والمماليك معاً، والتي كان هؤلاء الحكام يعبثون فيها بحقوق الناس عبثاً شديداً سخيفاً ضعف إزاءه المصريون، واستلانوا له وجعلوا شعارهم معه قولهم:(من تزوج أمي قلت له يا عمي) وقولهم: (إن كانت لك عند الكلب حاجة فقل له يا سيدي). . .
ولقد حاولت أكثر من مرة وفي أكثر من صحيفة أن أنزع من أذهان رجال أستوديو مصر هذه الكراهية الخاطئة التي يصبونها على العشرة الطيبة لهذا السبب وحده، ولعلي ضربت لهم يوماً مثلاً برواية هنري الثامن التي مثلها شارلس لاوتون لإحدى الشركات الإنجليزية، والتي لم يتورع ذلك الممثل الإنجليزي الكبير حين مثلها أن يصور هنري الثامن الملك الإنجليزي بصورة هي أقرب الصور لما كانت عليه حقيقة هذا الملك، ولم تكن حقيقة هذا الملك مفخرة من مفاخر بريطانيا العظمى، ولا مثلاً طيباً لحكمها وملوكها، وإنما كانت حياته كما روى التاريخ وكما أظهرتها السينما حياة كلها صيد وزواج، وأكل، وطلاق، وفتك بالنساء وبالحيوان وبالتقاليد، واستخفاف بشريعة النصارى التي لا تبيح انفصال الزوج عن زوجه إلا للسبب الشنيع الواحد الذي لم يحاول هنري الثامن مطلقاً أن يجعله وسيلة إلى التخلص من نسائه لأنه كان يرى نفسه فوق التحقيق والتدقيق واستقصاء الأسباب وإبداء الأعذار. . .
ومع هذه البشاعة كلها، ومع هذه العتمة والظلمة والسواد فإن الإنجليز لم يكرهوا شارلس لاوتون، لأنه أخرج هنري الثامن على حقيقته، بل إنهم على العكس من ذلك أحبوه