للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفلسفة الشرقية]

بحوث تحليلية

بقلم الدكتور محمد غلاب

أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين

- ١٤ -

البوذية

نشأة الديانة والفلسفة البوذيتين

ذاعت في بلاد الهند قبل البوذية بزمن طويل أسطورة دينية مؤداها أن إنقاذ الإنسانية من آلامها سيكون على يدي شاب نبيل حسن الخلق والخلق، يولد بين أحضان النعمة ويشب بين أعطاف الترف والسعادة، ثم يتخلى عن المادة ويزهد في الشهوات فيصل إلى المعرفة الكاملة التي بها ينقذ الإنسانية من بين براثن الشر والألم. فلما ظهر بوذا وكان قد نشأ على النحو الملائم لبطل الأسطورة المتقدمة آمن الناس بأنه هو المنقذ المنتظر، وكان هو شخصياً يعرف هذه الأسطورة فآمن بأنه بطلها المنشود، فأعلن أنه لا شيء أنجع للوصول إلى النجاة من وسيلتين: أولاهما التخلي عن المادة، وثانيتهما المعرفة. ثم بدأ جهاده بتحقيق هاتين الوسيلتين في نفسه، فتخلى عن اللذائذ تخلياً عملياً، ثم لم يلبث أن أعلن أنه وصل إلى نهاية المعرفة كما أسلفنا

نشأت عن المبدأ الأول من هذين المبدأين الديانة البوذية التي هي وليدة الزهد والتقشف قبل كل شيء، وعن المبدأ الثاني وهو المعرفة نشأت الفلسفة البوذية. وسنحاول هنا أن نلم في شيء من الإيجاز بالديانة البوذية وأركانها وتطوراتها ثم بالفلسفة البوذية وعناصرها الأولية

الديانة البوذية

لم يشأ بوذا في أول أمره أن يقحم في مذهبه أي شيء له علاقة بما بعد الطبيعة، بل لم يتحدث عن الإله على أصح الأقوال، وإن كان بعض مؤرخي الفلسفة قد رووا عنه أنه تعرض للألوهية بالإنكار وصرح بأن ليس هناك إله على النحو الذي يصورونه به، وإنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>