هناك روح عام متغلغل في كل شيء. ويروي البعض الآخر أن بين أقدم النصوص البوذية نصاً ينكر الألوهية أصرح الإنكار، إذ هو يتساءل قائلا:(ما هو الإله؟ هل هو نفس العناصر؟ إذا كان ذلك فلا يكون في الأمر جديد سوى وضع اسم مكان آخر
وإذا كان غيرها، ولها هي هذه الخواص التي نشاهدها، فقد ثبت خلوه هو من بعض الخواص الثابتة للعناصر، وهو نقص فيه. وإذا كان له كل خواصها فلم يكن في حاجة إليها، لاتخاذها وسيلة لإيجاد العالم. وإذاً فنحن أمام خلاء من الألوهية يؤيده المنطق)
وأنا شخصياً أستبعد هذا الإلحاد على ذلك المتنسك النوراني والمصلح الأخلاقي العظيم، ولعل هذا النص قد دُسَّ عليه في العصر الذي تلا عصره
وكان أهم ما يرمي إليه هو تخليص الإنسانية من آلامها المتوالية التي يجددها التناسخ بقدر ما يعدده من وحدات العودة إلى الحياة التي هي في كل مرة مليئة بالألم والشقاء. وقد اعتبر بوذا - كما أسلفنا - الجهل والشهوة الأساسين الجوهريين لهذا الألم، وأكد أنه لا خلاص للإنسانية إلا بالمعرفة والتخلي عن المادة، وهما وسيلتان متلازمتان أبداً، إذ لا توجد المعرفة الصحيحة حيث يحل التهالك على المادة، ولا تستقر الزهادة حيث يوجد الجهل
ولا ريب أن هذا الحط من شأن الحياة وما فيها من متع ولذائذ قد قسم البوذيين إلى قسمين: القسم الأول الدينيون، والقسم الثاني المدنيون أو الأحرار، ولكن ليس معنى هذا أن طائفة الدينيين من البوذيين كانت مكلفة بتأدية طقوس دينية خاصة. كلا، فبوذا لم يكلف أتباعه بأي نوع من أنواع العبادة، وإنما كل ما كان يمتاز به الديني على المدني من البوذيين هو أن الأول أكثر تنسكا وأقل تعلقاً بالمادة من الثاني، وهو لهذا كان نموذجا له في حياته العملية، لأنه أسرع منه خطى في السير نحو الخلاص من شوائب المادة المدنسة
غير أنه لا ينبغي أن يفهم من هذا أن جميع أفراد الطائفة الدينية البوذية كانوا بعيدين عن جميع مظاهر الحياة، لأن الواقع يخالف ذلك، إذ كان أكثرهم مع تنسكهم يتصلون بالناس في المعاملة وأحوال المعيشة، لكن في شيء من الاعتدال، بل من الحذر والاحتياط. أما أقلهم فكانوا رهابنة يعيشون في عزلة من الناس لا ينشغلون إلا بالتأمل في أسرار الكون والنظر في عظمة الوجود
كان الملك محرماً على البوذيين الدينيين كافة حتى الذين يتعاملون منهم مع الناس، وكان