الواجب على كل فرد منهم أن يتسول طعامه يوماً فيوما وألاّ يدخر شيئاً مهما قل إلى غده
أحس المدنيون من البوذيين في داخل أنفسهم بشيء من القلق المضني، فأيقنوا بأنهم لم يصلوا بعد إلى الهدوء النفساني المنشود الذي به وحده تتحقق السعادة، وبحثوا عن سبب ذلك فعلموا أنه التعلق بالمادة والتخلف عن الطريق القويم الذي سار فيه إخوانهم الدينيون، ولكنهم لم يستطيعوا أن يطبقوا على أنفسهم تلك المناهج الضيقة ولا أن يذعنوا لهاتيك القواعد التي كانت قد بدأت تقسو وتتشدد في جميع أساليب الحياة، فحظرت على البوذي أكل اللحوم والأسماك، وقيدته بأنواع محددة من الأطعمة والأشربة والثياب، ورسمت له الخطة التي يجب عليه أن يسلكها، فاكتفى أولئك الأحرار من البوذيين بالإيمان النظري ببوذا وباتباع الأخلاق البوذية السامية من: صدق وأمانة وحلم وحياء ووداعة وإيثار وتضحية وغير ذلك من جلائل الصفات، وجعلوا بيوتهم مأوي لإخوانهم الدينيين؛ أما مشكلة عدم وصولهم إلى السعادة النفسية، فقد وجدوا لها حلا طريفاً، وهو أن من آمن ببوذا وتخلق بأخلاقه وآوى رجال دينه وأكرم مثواهم وعاش عيشة مدنية، فإن روحه بعد موته تتقمص بوذ يادينيا، لتصل عن طريقه إلى الخلاص من المادة الذي يضمن لها السعادة والنجاة
مستحدثات البوذية:
أتت الديانة البوذية بمحدثات لم يكن للبراهمة بها عهد من قبل مثل نبع الوحي من داخل النفس بدل أن كان البراهمة يسندونه إلى الآلهة. ويعلق العلماء الأوربيون على هذا المبدأ بما يفيد عظمة بوذا وسموه على جميع سكان الهند وثقته بنفسه إلى الحد الذي لم يؤلف عند الشرقيين الذين وصلت ضآلتهم أمام أنفسهم إلى حد إسناد كل شيء إلى السماء، تلك الضآلة التي كادت تمحو منتجاتهم العقلية الخاصة من صحائف مجهودات الفكر البشري. وسنرد على هذه الحملة الجائرة حين نعرض للوحي والإلهام عند الكلام على الإشراقية إن شاء الله.
ومن الميزات التي اختصت بها البوذية إعلانها أن مهمتها نجاة العالم وإنقاذه من الألم والشقاء، وفي هذا الغيرية ما لم يخطر للبراهمة الأنانيين على بال، وبهذه النقطة يقترب بوذا من المسيح في نظر العلماء الذين يصدقون حادثة الصلب ويتخذون منها برهاناً على غيرية المسيح وتضحية نفسه في سبيل إنقاذ البشر من الخطايا والآثام.