ومن هذه المستحدثات البوذية إلغاء نظام الطبقات الذي مر بك مفصلا في البراهمية (الأرثوذكسية) ثم أقره عهد التطور حتى جاء بوذا فحرمه على جميع معتنقي ديانته، وإن كان الأستاذ (دينيس سورا) يرى أن بوذا لم يلغ نظام الطبقات، وإنما كانت المقاطعة التي نشر فيها ديانته خالية قبل وجوده من نظام الطبقات لأن من المسلم به أن البراهمة لم ينشروا ديانتهم في جميع بقاع الهند، ولكن هذا الرأي غير صحيح، لأن بعض النصوص البوذية روت لنا أن بوذا كان كثيراً ما يتلاقى مع بعض البراهمة يتيهون في البراري والقفار فلا يكترث بهم ولا يتلفت إليهم.
ومهما يكن في الأمر، فقد محا بوذا كل تلك الفروق التي كانت البراهمية قد وضعتها بين طبقات الشعب بزعمها أن الكهنة خلقوا من رأس براهما، والجند من ذراعيه ومنكبيه، وأرباب الحرف من ساقيه، والأرقاء من قدميه، فلما جاء هذا المصلح العظيم أعلن أن جميع بني البشر سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالزهادة والمعرفة.
الأخلاق البوذية
بدأ بوذا منذ فجر اليوم الأول لتبشيره بديانته يعلم تلاميذه الفضائل التي رأى أنها وسائل الخلاص والنجاة، ولكنه شاء أن يعلمهم هذه الفضائل عن طريق إنبائهم بأضدادها، فأعلن أن الرذائل الواجبة التجنب عشر، وهي: الشهوة والمقت، والعمى والجهل، والإدعاء والرأي، والشك والإهمال، والخلاعة والوقاحة.
كانت هذه الرذائل في أول الأمر تذكر في تعاليم بوذا على النحو المتقدم، دون ترتيب ولا تخصيص، أما بعد ذلك فقد قسمت إلى فصائل اختصت كل ناحية من الإنسان بفصيلة معينة منها بعد تطورها وتحديدها في مجموعتها. وهاك هذا التقسيم: إن الرذائل التي تهوي بالإنسان عشر، وإن نواحيه التي تأتي هذه الرذائل ثلاث اختصت كل ناحية منها بعدد من تلك الرذائل، فرذائل الجسم ثلاث، وهي: التعذيب والسرقة والزنى؛ ورذائل النطق أربع، وهي الكذب والنميمة والسباب والطيش؛ ورذائل التفكير ثلاث، وهي: الطمع والخبث والتزييف.
لم تكن البوذية تسوي بين هذه الرذائل، بل جعلتها متفاوتة في مراتب الإثم كما هي متفاوتة في سرعة الانمحاء عن مرتكبها، ولكنها صرحت بأن الندم هو من أهم وسائل الخلاص