لا تحزني يا سيدتي. فهكذا شاء القدر أن يدفع بك إلى محيط هذا العالم ذرة مضطربة من ذراته التي لا تستكين ولا تهدأ. كلما حضرني أمرك أيتها السيدة، شعرت بالألم يحز في قلبي، وأحسست بالحياة كلمة غامضة في سجل مبهم، ورأيت السعادة كذبة هائلة انحدرت من شفاء الأبالسة إلى آذان هذه الأجيال التعسة الحالمة. .
لا تحزني أيتها السيدة الكريمة، كفكفي دمعك لأنك لست بمستطيعة أن تغطي الأفق الوسيع بكفك الصغير، ولست بقادرة أن تحولي دون الريح وهبوبها، أو النهر وجريانه. .
قبل أن تغرب شمس اليوم رافعة بأشطانها أوزار العالم وأوحاله لتقدمها إلى صاحب العرش الأعلى. . . . جاءني طفلك الصغير، وكأن أحزان العالم قد وسعها قلبه الغض وهو يلهث من التعب، وأخذ يبكي ويقول لي في كلمات يقطعها البكاء:(تعال لتخفف عن أمي. . . إنها حزينة من الصباح. . . إنها طريحة الفراش. . . باكية ومنتحبة. . . وكلما سألتها السبب قالت: إن أباك لم يعد. . . فمن يكون أبي؟ ومتى يعود. .؟ إنني لا أفهم ما تقوله أمي. .)
فيا رحمة الله أدركيني. . . بأي لسان ينطق هذا الطفل. .؟ أتستطيع ملائكة الرحمة أن تظل واجمة ساكنة؟ أتظنين يا سيدتي أن الرياح حملت فيما تحمل تلك الكلمات التي نطق بها هذا الصبي البريء. . .؟ كلا بل إنها ستبقى خالدة في نفسي ما بقيت. . . وستظل حائمة في فضاء هذا العالم لتصرخ في آذان الجيل بعد الجيل أن الإنسانية ما وجدت إلا لتشقى، وأنه ما من أرض إلا وزرعت فيها التعاسة، وما من حاصد فيها إلا وهو للبؤس ربيب. . .
من يقول لطفلك أيتها السيدة الحزينة إن أباه هو الشر الذي ولد الخير، والحبة النتنة التي أنبتت الزرع الجميل، والحشرة القذرة التي انبثق منها الشهد، والريح الخبيثة التي خلفت النسمة الطيبة، والغيم الحالك الذي بعث ببهجة الأرض، وهو اليد التي دفعت به إلى الحياة. ثم تراجعت متخفية كاليد السارقة التي تأخذ غادرة ولا تعترف بعطاه. . . .
من يقول لطفلك يا سيدتي إنه ما من وليد من أمثاله إلا وله أب يرعاه بعنايته. أما هو فيتيم وإن كان أبوه حياً يرزق، ولكنه يشاء اليتم لابنه ويريد العقم لنفسه، وليس وا أسفاه في