قوانين الأرض ما يرد تلك المشيئة أو يمنع تلك الإرادة، وليس وا أسفاه في نتاج الإنسانية بعد جهاد القرون ما يخفت أنين الطفل وهو يسائل الحقيقة (من يكون أبى. . . .؟)
يا سيدتي الحزينة - خففي عن نفسك فما أردت أن أثير أشجانك. . . دعي الماضي يمر أمامك كالأطياف السريعة. . . ماذا يؤلمك وماذا يبكيك، وأنت ربيبة الألم ووليدة البكاء؟. . . لقد كنت فتاة في منزل أبيك تقاسين من غلظته، وتعانين من زوجته، وتشكين فراق أمك المطرودة البعيدة. . . وكما خرج موسى من أرض مصر، خرجت أنت من سجن أبيك إلى دار زوجك، ولكنك لم تجدي في صحرائه مَنّاً ولا سلوى. . فمسكينة أنت أيتها السيدة. . لقد رضعتِ الشقاء. والشقاء ما زال في أحضانك رضيعاً يترعرع. . . ورشفت الكأس وثمالته أشد مرارة. . .
مسكينة أنت أيتها السيدة. بل مسكينة كل امرأة تعيش في كنف زوجها الغاصب، لأنها لا تستطيع أن تلامس أطراف السعادة ولو كانت الجنة تحت قدميها. . . غريب أمر الرجل في هذه الحياة، خلق الله له المرأة ليأتنس بها فخلق هو لها الوحشة، وجعل الله له القوة ليحمي ضعفها فنازلها بقوته. . . ومنذ انحدر آدم إلى هذه الأرض والفضيلة والرذيلة تعتركان، أما الحق فمخبوء أبداً. . .
لا تحزني يا سيدتي لأن الحزن لا يقدم من شأنك ولا يؤخر، فإنما أنت مخلوق ضعيف أسلمته يد الأقدار إلى قبضة عاتية. . . وما دامت المرأة في دولة الرجال، فسوف لا تعيش إلا ذليلة مسكينة. . . لأنهم يصنعون الشرائع ويحتكمون إلى أنفسهم ثم يحكمون. . .
لا زلت أذكر يا سيدتي اليوم الذي أتيت فيه إلى جوارنا، وكان زوجك يتعهد هذا الوكر برعايته، يبادلك الوفاء ويقاسمك السعادة، ولكنه كان متكلفاً في هذا العناء فقبل أن يرى طفلك النور. انسل كاللص السارق ليعيش في الظلام. . . ومنذ ذلك الحين إلى الآن وزوجك مقبور في حفرة الأحياء، لا يتلمس النور ولا يتسقط الماء. . .
ما أغرب هذه الطبيعة البشرية وما أعجب أمرها. . . إذا أصابها التقلب والتلون نسيت ما فعله يومها في أمسها، وبَعُد خيرها عن شرها، وتنكر حاضرها لماضيها. . . فإذا بصاحبها إنسان لا يستأنس، وإن كان الحيوان قد بدأ ينسى ما في أحط غرائزه من غدر وفتك وبطش. . .