أخذ الأب أنستاس ماري الكرملي على الأستاذ محمد مندور خطأً لغوياً وقع فيه حين قال:(وأما قصة الكراكي، فقصة لا أثر لها فيما (عثرت به) من كتب اليونان)؛ وذلك لأن وجه الصواب أن يقال: عثرت (عليه) لا عثرت (به)، والعثور بالشيء غير العثور عليه. وقد أراد الأب الكرملي أن يبين للأستاذ مندور - في تضاعيف كلامه - معنى قوله:(عثرت به)؛ فقال:(. . . ولعله أراد أن يقول: فيما عثرت (عليه) من كتب اليونان، (أقاله الله من كل عثرة)، وإن الجواد قد يعثر). ولكن الأستاذ لم يلتفت إلى هذه الإشارة المقصودة؛ لذلك رأيناه في تعقيبه على كلمة الأب أنستاس يعود فيقول:(. . . إنني لم أعثر بها، ولا أقول: لم أعثر عليها - كما يقترح اللغوي الكبير الأب الكرملي - لأن المعنى الذي أريد أن أعبر عنه، هو إنني لم أعثر بها، أي لم أقع عليها؛ وللأب الفاضل أن يظهر علمه - إذا أراد - في غير هذه التوافه، وأن يتفضل بأن يترك للكاتب الحق في أن يتصرف في اللغة، وفقاً للمعنى الذي في قلبه)!
ولو أن الأستاذ مندور توخى الحق في تعقيبه، لما انساق إلى هذا الرد؛ إذ إن غرض الأب الكرملي - فيما أعلم - أن يرشد الكاتب إلى التعبير الصحيح المتفق مع اللغة التي يكتب بها؛ وأي إنسان يجهل الفرق بين عثرت (به) وعثرت (عليه)؟
ثم أريد أن ألفت نظر الأستاذ إلى أن ما يسميه (توافه)، ليس كما يتوهم: وسبب ذلك أن اللغة العربية - على الرغم من رحبها وسعتها - لغة دقيقة، تتميز بالعمق وبعد الغور؛ فأي اختلاف في حرف الجر الذي يجيء بعد الفعل يترتب عليه اختلاف في المعنى قد لا يفطن إليه الكاتب الذي لا يتوخى الدقة في التعبير. . . وأما الحرية اللغوية التي يطالبنا بها الأستاذ، فهي حديث خرافة، لا أضن أحداً من المخلصين للغتنا العربية يقبل أن يسمعه، ولأ أعرف واحداً من كتاب الغرب يدعيه لنفسه. فأنا أفهم أن تكون هناك حرية في التعبير وتخير الألفاظ، وصوغ أساليب جديدة؛ وأما الحرية في اللغة نفسها بحيث يكون للكاتب الحق في أن يقول:(عثرت به) حين يكون يريد (عثرت عليه)؛ فهذه حرية لا أفهمها، ولا يفهمها أحد، لأنها فوضى لغوية لا تباح إلا حين يكون لكل منا أن يخترع لغة جديدة تلائم