أبَّنا في المقال السابق بعض الخصائص التي يلتقي عندها الزمان والمكان، والتي سمحت لنا أن نعتبر الأول بعداً رابعاً، وسنحاول هنا أن نذكر أهم خصائص كون ذي أربعة أبعاد، سواء كان هذا البعد الرابع زماناً أو مكاناً. ورب من يستغرب كيف يمكن أن يكون المكان ذا أربعة أو خمسة أبعاد إلى ما لا نهاية من الأبعاد. فنحن لا ننتهي من بدعة الزمان كبعد رابع، تلك البدعة التي لا يقبلها الحس والتصور، حتى تأتينا بدعة أكبر هجنة وغرابة، هي أن يكون المكان كثير الأبعاد. على أنني لا أقصد أن أتحول عن خطتي لأشرح هذهِ الفكرة الجديدة، فربما نحاول في فرصة قريبة تبسيطها وعرضها على القراء إلا أنني أُعطي المثال البسيط التالي لأزيل قليلاً من حيرة القارئ. فهو يتعلم مهما بلغ ضآلة ثقافته الرياضية أن النقطة الهندسية إذا تحركت رسمت خطاً هندسياً طوله المسافة التي تحركتها تلك النقطة، وهذا الخط المستقيم ذو بعدٍ واحد، لأن للنقطة مجال حرية الحركة في اتجاهٍ واحد فقط، وإذا تحرك هذا الخط الهندسي في اتجاه علوي على طوله بعداً يساوي طوله نتج المربع، وهو مستواً ذو بعدين، لأن النقطة تجد مجال الحركة واسعاً أمامها في اتجاهين، أو لأن مكان النقطة يتعين ببعدين اثنين عن أضلاع مربع، وإذا تحرك المربع في اتجاه علوي لمستوى مسافة تعادل طول ضلعه نتج المكعب، وهو حجم ذو ثلاثة أبعاد. يقف تصورنا عند هذا الحد. أما التحليل الرياضي، فلا يقف هنا، فبنفس الطريقة المنطقية السالفة، نتصور المكعب متحركاً في اتجاه عمودي على متعامداته الثلاثة مسافة تساوي ضلعه فينتج فوق المكعب ذو أربعة أبعاد، وإذا تحرك هذا نتج فوق المكعب ذو خمسة