هم الفتى (أبو العاص ابن الربيع. . .! ابن عبد شمس) ينصرف من مجلس خالته (خديجة بنت خويلد) رائحاً إلى داره، وإن في نفسه لحديثاً ما إن يحاول بيانه ولا طاقة له بأن يكتمه. . ونظرت خديجةُ في وجه الفتى الذي اتخذته ولداً، وقد ثكلت الولد، فأنكرته وما نَكِرتْ حديث عينيه؛ ثم عادت تنظر إلى ابنتها (زينب) فتطيل النظر، فما لبثت أن ألهمت الرأي مما نظرت في وجه الفتى والفتاة. . . .
وسعت خديجة إلى زوجها تستعينه وتشير عليه:(يا محمد! أرأيت إلى ابن أختي (هالة) - أبي العاص بن الربيع - إنه لذو جاه ومال وأمانة، وهو منا ومنك حيث علمت، نعم الفتى القرشيّ. . . أفترى أن نتخذه ختَناً وولداً فتزوجه زينب. . .؟)
وافتر ثغر النبيّ الكريم عن ابتسامة الرضى، فما كان ليخالف خديجة في رأي تراه، ولها في نفسه ما لها من الحب والإعزاز، وهي في نفسها مَن هي في أصالة الرأي وحسن التقدير. . .
وزفت زينب بنت محمد إلى أبي العاص بن الربيع. . .
ومضت خديجة إلى الزوجين المتحابين تبارك لهما وتدعو، أطيب ما تكون نفساً وأهنأ فكراً. . . ومدت يمناها إلى طوقها لتخلع قلادتها لتجعلها في عنق زينب، هديةَ عروس. .
ونعم الزوجان بالسعادة حيناً في دنيا من الحب والفاء والإيثار. . .!
وأشرقت الأرض بنور ربها، وانبثق الفجر من غار حراء، يسعى محمدٌ في نوره داعياً إلى دين الله وإلى نبذ الشرك وعبادة الأوثان؛ فصدّق من صدّق واتبعه على هدى وبصيرة، ولجّ من لج في الطغيان والعناد، وآمنت زينب فيمن آمن، ولكن أبا العاص لم يَهُن عليه أن يخلع دينه. . . وضرب الزمن ضربته بين القلبين المتحابين فباعد بينهما إلى حين
أسفت زينب، ونال منها إصرار أبي العاص على الكفر أي منال، وأسف أبو العاص، ونال منه إسلامُ زوجته مثلَ ما نال منها كفره؛ وشعر كلا الزوجين أن قوة أكبر من الحب تحاول أن تفصم عروته وتحلّ وثاقه: أما أحدهما فأعلن التمرد والعصيان، وقال لصاحبته:(لن ينال مما بيننا يا زينب أن تكوني على دينك وأثبت على ديني، فلن أسلمك للفراق. . . .!)،